المنشاوي
إمام القراءة والإقراء
ٱية عظمى ونعمة كبرى
بقلم
أ.د. محمد عبد الجليل حسن
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الأزهر الشريف
في مثل هذا اليوم 20/6/1969 ثلمت الأمة ثلمة كبيرة وفُجعت فجيعة عظيمة ونقص ركن من أركان مملكتها القرآنية العتيدة وغاب عنها عنوان فريد من عناوينها وأظلمت على ربوعها غيوم غطت جوانبها وقيٌدت سواعدها وأصابتها إصابة بليغة في مكتل من جسدها وكيانها وذلك بوفاة علم من أعلام قرائها وجهبذ من حهابذة مجوٌديها ودرة من درر مرتليها الحجة البالغة والٱية العظمى والنعمة الكبرى فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوي القارئ الباكي المبكي خشوعا وخضوعا لمعاني القرآن المعبٌر بتلاواته المفسٌر بأدائه الموضٌح بمقاماته الراصد ببداياته والهادف بوقفاته والمبشٌر بنهاياته بمضمون وعد من قرأ كلامه وجوٌد ٱياته و سوره وأجزائه ووعد الله لا يتخلف فهو لا محال ٱت لأنه لا يلحقه فوات.
والشيخ المنشاوي يعد _ بحق _ معجزة بشرية أبدعها خالقها وصوٌرها باريها ليكون دالا ومعبرا بقراءته وأدائه عن مقصوده في قرٱنه حيث كان المنشاوي يقرأ بقلبه قبل لسانه وبوجدانه قبل كلامه وبمشاعره قبل حركاته وسكناته ثم يأتي لسانه الرطب بذكر الله ليعبر عن ذلك كله بصادق أدائه وعذوبة صوته ونقاء مخارجه ورقة صفاته وإحكام أحكام كتاب ربه كما وردت عن السلف الصالح نقلا وتواترا عن سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن.
ولقد عرف عن هذا الشيخ العظيم أنه ما قرأ القرآن لغرض ماديٌ ولا لهدف شخصيٌ من شهرة أو سمعة أو ذيوع صيت او وصول لأضواء براقة بل قرأ القرآن لله حبا فيه وفي كتابه وعشقا لكلامه ونورا تلألأ في وجدانه مخطوطا بالأقلام مكنونا بضيائه في الصدور محفورا في القلوب مرسوما في العقول عمرت به النفوس وسمت وبجلاله علت وبأنواره ارتقت وارتفعت حتى وصلت إلى مقامات الولاية ومنازل أهل الهداية التي رسمها لنا القرآن وبيٌنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بسنته قولا وفعلا وصفة وأخلاقا.
وحين يأتي على الأمة تاريخ وفاة الشيخ المنشاوي صاحب المدرسة المنشاوية وعمدتها وقائد حلبتها وفارس ميدانها الذي تميٌز بالرقة وعلوٌ الهمة وسريان ما يقرأ إلى القلوب بجاذبية لا مثيل لها حيث كان _ رحمه الله ورضي عنه _ يقرأ ويناجي ربه في قراءته ويبكي هو ويُبكي- بضم الياء- من حوله ويقول لهم بلسان حاله وحسن أدائه: أقبلوا يا عباد الله على كتاب الله وانهلوا منه وتعلموا معانيه وطبقوا أحكامه وكونوا على موائده منتفعين به معظمين لشأنه حتى تسعدوا في دينكم ودنياكم وأخراكم .
ومما يبيٌن لنا شيئا من مكانة المنشاوي عند حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومدى قبوله عنده ما ذكره الشيخ فارس عباد القارئ المعروف في إحدى لقاءاته بإحدى الفضائيات أنه رأى سيدنا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ في المنام _ ورؤيا الأنبياء حق _فسأله قائلا: يا رسول الله: من من القراء تحب أن تسمع منه القرآن ؟ فقبل أن يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فارس عباد: تمنيت أن يقول لي: أحب أن أسمعه منك انت إلا أنه قال عليه الصلاة والسلام- أحب أن أسمعه من الشيخ محمد صديق المنشاوي. هكذا قال فارس عباد. ولا شك أن رؤيا الأنبياء حق وصدق ولا يلحقها خيال ولا يعتريها أوهام.
وانظر إلى ما قاله الإمام الشاطبي - رحمه الله ورضي عنه مبشرا أهل القرآن بالثواب العظيم عند الله تعالى -:
فيا أيها القاري به متمسكا
مجلٌا له في كل حال مبجٌلا
هنيئا مريئا والداك عليهما
ملابس أنوار من التاج والحُلا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه
أولئك أهل الله والصفوة الملا أولو البرٌ والإحسان والصبر والتقى
حُلاهم بها جاء القران مفصلا
عليك بها ما عشت فيها منافسا
وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلا
جزى الله بالخيرات عنا أئمة
لنا نقلوا القران عذبا وسلسلا
ومقصود الإمام الشاطبي بقوله" عنا أئمة" أي القراء السبعة وتلاميذهم ومن أخذ عنهم ويلحق بهم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والدعاء يشمل جميع من خدم القرآن الكريم إن شاء الله تعالى نسأل الله أن نكون منهم.
فرحم الله شيخنا الإمام محمد صديق المنشاوي ورحم جميع شيوخنا ومعلمينا ومن أسعدونا بجميل أصواتهم وبارع أدائهم رحمة واسعة وأجزل لهم العطاء والمثوبة وأسكنهم فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأعلى قدرهم في عليين وجعلهم من أهل القرآن أهل ألله وخاصته. اللهم آمين يارب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: أ.د. محمد عبد الجليل حسن
عميد كلية البنات الأزهرية بأسوان سابقا أستاذ التفسير وعلوم القران الكريم بجامعة الأزهر الشريف.
إمام القراءة والإقراء
ٱية عظمى ونعمة كبرى
بقلم
أ.د. محمد عبد الجليل حسن
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الأزهر الشريف
في مثل هذا اليوم 20/6/1969 ثلمت الأمة ثلمة كبيرة وفُجعت فجيعة عظيمة ونقص ركن من أركان مملكتها القرآنية العتيدة وغاب عنها عنوان فريد من عناوينها وأظلمت على ربوعها غيوم غطت جوانبها وقيٌدت سواعدها وأصابتها إصابة بليغة في مكتل من جسدها وكيانها وذلك بوفاة علم من أعلام قرائها وجهبذ من حهابذة مجوٌديها ودرة من درر مرتليها الحجة البالغة والٱية العظمى والنعمة الكبرى فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوي القارئ الباكي المبكي خشوعا وخضوعا لمعاني القرآن المعبٌر بتلاواته المفسٌر بأدائه الموضٌح بمقاماته الراصد ببداياته والهادف بوقفاته والمبشٌر بنهاياته بمضمون وعد من قرأ كلامه وجوٌد ٱياته و سوره وأجزائه ووعد الله لا يتخلف فهو لا محال ٱت لأنه لا يلحقه فوات.
والشيخ المنشاوي يعد _ بحق _ معجزة بشرية أبدعها خالقها وصوٌرها باريها ليكون دالا ومعبرا بقراءته وأدائه عن مقصوده في قرٱنه حيث كان المنشاوي يقرأ بقلبه قبل لسانه وبوجدانه قبل كلامه وبمشاعره قبل حركاته وسكناته ثم يأتي لسانه الرطب بذكر الله ليعبر عن ذلك كله بصادق أدائه وعذوبة صوته ونقاء مخارجه ورقة صفاته وإحكام أحكام كتاب ربه كما وردت عن السلف الصالح نقلا وتواترا عن سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن.
ولقد عرف عن هذا الشيخ العظيم أنه ما قرأ القرآن لغرض ماديٌ ولا لهدف شخصيٌ من شهرة أو سمعة أو ذيوع صيت او وصول لأضواء براقة بل قرأ القرآن لله حبا فيه وفي كتابه وعشقا لكلامه ونورا تلألأ في وجدانه مخطوطا بالأقلام مكنونا بضيائه في الصدور محفورا في القلوب مرسوما في العقول عمرت به النفوس وسمت وبجلاله علت وبأنواره ارتقت وارتفعت حتى وصلت إلى مقامات الولاية ومنازل أهل الهداية التي رسمها لنا القرآن وبيٌنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بسنته قولا وفعلا وصفة وأخلاقا.
وحين يأتي على الأمة تاريخ وفاة الشيخ المنشاوي صاحب المدرسة المنشاوية وعمدتها وقائد حلبتها وفارس ميدانها الذي تميٌز بالرقة وعلوٌ الهمة وسريان ما يقرأ إلى القلوب بجاذبية لا مثيل لها حيث كان _ رحمه الله ورضي عنه _ يقرأ ويناجي ربه في قراءته ويبكي هو ويُبكي- بضم الياء- من حوله ويقول لهم بلسان حاله وحسن أدائه: أقبلوا يا عباد الله على كتاب الله وانهلوا منه وتعلموا معانيه وطبقوا أحكامه وكونوا على موائده منتفعين به معظمين لشأنه حتى تسعدوا في دينكم ودنياكم وأخراكم .
ومما يبيٌن لنا شيئا من مكانة المنشاوي عند حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومدى قبوله عنده ما ذكره الشيخ فارس عباد القارئ المعروف في إحدى لقاءاته بإحدى الفضائيات أنه رأى سيدنا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ في المنام _ ورؤيا الأنبياء حق _فسأله قائلا: يا رسول الله: من من القراء تحب أن تسمع منه القرآن ؟ فقبل أن يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فارس عباد: تمنيت أن يقول لي: أحب أن أسمعه منك انت إلا أنه قال عليه الصلاة والسلام- أحب أن أسمعه من الشيخ محمد صديق المنشاوي. هكذا قال فارس عباد. ولا شك أن رؤيا الأنبياء حق وصدق ولا يلحقها خيال ولا يعتريها أوهام.
وانظر إلى ما قاله الإمام الشاطبي - رحمه الله ورضي عنه مبشرا أهل القرآن بالثواب العظيم عند الله تعالى -:
فيا أيها القاري به متمسكا
مجلٌا له في كل حال مبجٌلا
هنيئا مريئا والداك عليهما
ملابس أنوار من التاج والحُلا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه
أولئك أهل الله والصفوة الملا أولو البرٌ والإحسان والصبر والتقى
حُلاهم بها جاء القران مفصلا
عليك بها ما عشت فيها منافسا
وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلا
جزى الله بالخيرات عنا أئمة
لنا نقلوا القران عذبا وسلسلا
ومقصود الإمام الشاطبي بقوله" عنا أئمة" أي القراء السبعة وتلاميذهم ومن أخذ عنهم ويلحق بهم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والدعاء يشمل جميع من خدم القرآن الكريم إن شاء الله تعالى نسأل الله أن نكون منهم.
فرحم الله شيخنا الإمام محمد صديق المنشاوي ورحم جميع شيوخنا ومعلمينا ومن أسعدونا بجميل أصواتهم وبارع أدائهم رحمة واسعة وأجزل لهم العطاء والمثوبة وأسكنهم فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأعلى قدرهم في عليين وجعلهم من أهل القرآن أهل ألله وخاصته. اللهم آمين يارب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: أ.د. محمد عبد الجليل حسن
عميد كلية البنات الأزهرية بأسوان سابقا أستاذ التفسير وعلوم القران الكريم بجامعة الأزهر الشريف.