الحق والضلال
هناك العديد من «العائلات» التى شاركت فى تشكيل تاريخ الدولة المصرية، وتستحق الرصد باعتبارها نموذجا إنسانيا خاصا استطاع طيلة قرون كثيرة أن يؤثر فى الواقع المصرى، فى كل الساحات السياسية والاقتصادية والفنية وحتى الدينية بالإيجاب أحيانًا، والسلب أحيانا، قائمة هذه النوعية من العائلات ليست بقصيرة كما يتصور البعض، ومنها «العائلة البطرسية» والتى تمتد شهرتها من النصف الثانى من القرن التاسع عشر إلى الآن.
الاسم الأشهر بين شجرة هذه العائلة الممتدة هو «بطرس باشا غالى»، الذى يعد واحداً من أشهر رؤساء وزراء مصر على مر التاريخ وأكثرهم جدلا، لكن لا أحد يعرف والده الذى كشفت عنه أحدث إصدارات دوريات العائلات التى تصدرها مكتبة الإسكندرية، وهذه المرة تحمل عنوان «العائلة البطرسية سيرة عائلة قبطية» وهو «غالى بك نيروز» الموظف فى دائرة الأمير مصطفى فاضل، وكان قد ولد «بطرس غالى» فى بلدة «الميمون» ببنى يوسف فى 12 مايو 1846.
فى السادسة التحق بطرس بأحد كتاتيب القرية، وبعدها ذهب إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة «حارة السقايين» وتلقى فيها مبادئ اللغات «العربية والفرنسية والقبطية» وتعلم أيضا الفارسية والتركية فى مدرسة الأمير مصطفى فاضل، وكان لا يمل بطرس من التعلم حتى حذره زملاؤه ووالده من تأثير ذلك على صحته، لكنه تعلم الإنجليزية والإيطالية أيضا.
بدأ بطرس أفندى غالى حياته العملية كمدرس فى أول مدرسة التحق بها براتب 700 قرش، ثم عمل فى مجلس التجارة بالإسكندرية وظل يترقى حتى صار رئيسا لكتاب المجلس، ويتعرف على ناظر الداخلية «محمد شريف باشا» الذى أعجب بمعرفته باللغات وعينه رئيسا لكتاب نظارة الحقانية، ومن بعده تعرف بطرس أفندى على «نوبار باشا» رئيس النظار وقتها ومنح رتبة البكوية تقديرا له على دوره كعضو فى لجنة توصية الديون أيام الأزمة المالية فى عهد الخديوى إسماعيل، وتوقع له المندوب الإنجليزى فى اللجنة أن يكون ناظرا للمالية يوما ما!
وشارك بطرس بك وبعدها بفترة باشا فى عضوية العديد من هذه اللجان الضريبية والمالية، أهمها برئاسة نوبار باشا وعضوية قناصل الدول فى مصر لتعديل قوانين الموظفين الملكيين، وكان بطرس من الشاهدين على أحداث الثورة العرابية بعد أن كان من الرافضين لعزل أحمد باشا عرابى من قيادة الجيش، وأقنع عرابى بطلب الاستعطاف من الخديو محمد توفيق عقب هزيمته فى معركة التل الكبير الشهيرة، وكانا على علاقة ودية حتى إن عرابى تدخل لدى الخديو ليحصل بطرس على الباشاوية.
وانفردت هذه الموسوعة الخاصة جدا بنشر التفاصيل المهمة فى تحقيقات أحداث الثورة العرابية بالوثائق على عدة صفحات، فيما ظل بطرس باشا وكيلا لنظارة الحقانية حتى رقى ناظرا للمالية فى نظارة حسن باشا الأولى، وما لبث أن تطورت الأحداث بسرعة حتى هدد اللورد كرومر بالتصعيد وجرت مفاوضات بين ممثلى الخديو عباس حلمى الثانى و«بطرس باشا» وكرومر وفى نهايتها تم التوصل إلى حل الأزمة مع حل نظارة مصطفى فهمى باشا ونظارة حسين باشا، وتعيين مصطفى باشا رياض رئيسا للنظار، واختير بطرس باشا للمرة الثانية ناظرا للمالية، لكنه واجه صعوبات جمة منذ البداية لعدم رضاء الخديو عنها وفتور السلطات الإنجليزية تجاهها، وانتهى الأمر باستقالة جديدة بعد ثلاثة شهور.
وفى نظارة نوبار باشا التالية اختير بطرس باشا ناظرا للخارجية ولم تلبث هى الأخرى فى الحكم طويلا وقدمت استقالتها بعد 7 شهور لمرض نوبار باشا وعدم ارتياح الخديو لها لرفضها رغبة عودة الخديو إسماعيل لمصر فى أيامه الأخيرة، وعاد مصطفى باشا رياض لرئاسة النظارة واستمر بطرس باشا فى موقعه، وكانت هذه النظارة الأطول فى هذه الفترة حيث استمرت 13 عاما.
وتمكن بطرس باشا فى لعب أدوار مهمة طوال تلك الفترة أشارت إليها الموسوعة بالتفصيل وبالوثائق، ومنها التوقيع من الجانب المصرى على اتفاقية 1899 التى حددت وضع السيادة فى السودان، وكان وضع مصر شكليا، فى الحكم الثنائى لمصر وإنجلترا فى السودان، لكن لولا التواجد المصرى هناك لانفردت إنجلترا بالسودان وقضت على ثقافتها العربية والإسلامية، ورد بطرس غالى على الانتقادات التى وجهت لتوقيعه على الاتفاقية بأن الأقاليم السودانية تمثل ينبوع الحياة لمصر وكلف وادى النيل مصر تضحيات جسيمة، فكان من الضرورى أن تعترف إنجلترا بالحق المصرى وتعادلها الأقاليم التى كانت تحتلها أيام ثورة محمد أحمد، ووصف المؤرخون توقيع مصر بالإذعان لأن الخديو أجبر عليه!
ويشهد التاريخ بموقف بطرس باشا الذى رفض طلب إنجلترا أو القائد الصهيونى «تيودور هيرتزل» فى 1902 بإنشاء شركة فى سيناء تقوم باستيطان اليهود هناك، لكن طالبت الحركة الصهيونية من إنجلترا الضغط على الحكومة المصرية للموافقة على المشروع، ومارس كرومر كل الطرق لذلك إلا أن الحكومة المصرية جددت رفضها بصفة قاطعة ونهائية، وبعدها بدأ اليهود والإنجليز البحث عن مكائد آخر للتخلص من اللاجئين اليهود الذين تسببوا فى أزمة اقتصادية كبيرة للعمال البريطانيين بتقاضيهم أجورا أقل منهم.
ولعب بطرس باشا دورا كبيرا فى انهاء الأزمات الحدودية بين مصر والدولة العثمانية فى الحدود الغربية والشرقية بإثبات مصرية طابا فى أكتوبر ,1906 لكن من النقاط السوداء فى تاريخ بطرس باشا دوره فى محاكمة دنشواى عندما كان ناظر الحقانية بالنيابة، وأخذت عليه رئاسته للمحكمة التى كانت قد جهزت للإعدام حتى قبل الحكم بإرسال المشانق لهناك قبلها بأيام، وتحاول الموسوعة بشكل غير محايد الدفاع عن بطرس باشا وكأنها لا تؤرخ لأحداث، بل تدافع عن رب عائلة مصرية تاريخية، وبعد ذلك بوقت قليل وصل بطرس باشا لرئاسة النظار، وأصبح أول مصرى يشغل هذا المنصب، واستمر أيضا كناظر للخارجية، وفى تلك الفترة تفاعل بطرس مع القوى الوطنية وأصدر قانونا بعلانية جلسات مجلس الشورى، وتوسيع اختصاصاته، ورغم أنه قبطى منح قانون بإجازة يوم رأس السنة الهجرية، لكنه أثار قوى الحريات بقانون المطبوعات بعد حملات الصحف ضده والذى عرف «بقانون إسكات الصحف» رغم أن الموسوعة دافعت عن «بطرس غالى» وقالت إنه اضطر لذلك وأجبره عليها الخديو، لكنه لم يستطع أن يدافع عنه فى مد الامتياز لشركة قناة السويس لأنه كان من مؤيدى المشروع، رغم اعتراض الكثيرين، خاصة قيادات الحزب الوطنى ومنهم محمد بك فريد رئيسه، وكان يبرر ذلك بحاجة الحكومة المصرية للأموال، ولكنه أحال المشروع للجمعية العمومية وقتها بعد الضغوط السياسية عليه.
وكان لبطرس باشا موقف خاص فى التعامل مع الكنيسة، حيث كان يرمى إلى تقليص نفوذ البطريرك لصالح المجالس الملية مقابل الاتجاه المضاد للبطريرك كيرلس الخامس، وأدى الصراع بين الاتجاهين إلى استصدار قرار بإبعاد البطريرك وتجريده من سلطاته لمدة زادت عن العام فى سبتمبر ,1892 وكان قد نجح بطرس بك فى المجلس الملى الأول فى 2 فبراير ,1874 وقاوموه باعتبارها مؤسسة مدنية، واستمر الصراخ لأكثر من عقدين، وتصاعدت هذه الأزمة ورفع الخديو يده عنها لصالح بطرس باشا ضد البطريرك الذى لجأ لمخاطبة قناصل الدول الغربية لاسترضاء الخديو، غير أن الجميع أكد أنه شأن داخلى، وتم إبعاد البطريرك بطلب من أعضاء المجلس الملى للخديو، وانتهت الأزمة لصالح بطرس باشا.
وكان لبطرس باشا نفوذه الكنسى خارج مصر أيضا ووصل حتى الحبشة، فكان يختار البطاركة المرسلين لأديس أبابا، وفى المقابل كان واسع الاطلاع على الشريعة الإسلامية، ويشهد له أئمته بالتبحر فيها، ولم يكن متعصبا لأبناء طائفته، وكان أول من ذهب إلى الشيخ «سليم البشرى» إثر إقالة الخديو له من مشيخة الأزهر وفتح الطريق للأقباط فى مجالات شتى لم يطرقوها قبله!
وفى السياق الإنسانى تزوج بطرس غالى من السيدة صفا خليل أبوالعز والتى يقال إنها ابنة خالته، وأنجب منها 3 أولاد وبنتا واحدة، وهم نجيب وواصف وراغب وجليلة.
كما كانت حياته مثيرة بالمواقف الإيجابية والسلبية، وكانت نهايتها مثيرة أيضا عندما اغتاله الشاب «إبراهيم ناصف الوردانى» بإطلاق الرصاص عليه وهو خارج من ديوان الخارجية، وتوفى فى مستشفى الدكتور ملتون بعدما فشلت كل محاولات إنقاذه من الدكتور سعد الخادم، وقال الوردانى فى التحقيقات التى قتل بطرس باشا فى 20 فبراير 1910 لأنه ترأس محكمة دنشواى وأعاد قانون المطبوعات وكان له دور فى مد امتياز قناة السويس، وزار الخديو عباس حلمى الثانى بطرس الجريح فى المستشفى وقبله فى وجهه والدموع تملأ عينيه، فشب قليلا وقال له «العفو يا أفندينا متشكر»! وكانت المرة الأولى التى يزور الخديو بيوت أحد المصريين من خلال تقديم واجب العزاء فيه، وقال عنه شيخ الأزهر وقتها أن ذلك المسيحى عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر على عمله كثير منهم!
وتنسب إلى بطرس باشا كلمات أخرى مثل مواقفه منها أنه رضى باتفاقية السودان رغم أنفه، وحادث دنشواى لا هى معه ولا هى ضده، وأما عن قانون المطبوعات فهو من اختصاص نظارة الداخلية، إلا أن هذه التبريرات لم تفلح فى طمس الخلفيات التاريخية التى تركها بطرس باشا فى حياته رغم إنجازاته الخاصة جدا.
وثانى أشهر فرد فى «العائلة البطرسية» هو نجيب أفندى غالى الابن الأكبر لبطرس غالى الذى درس الحقوق فى فرنسا، وعين بعد عودته فى وظيفة مساعد نائب فى المحاكم المختلطة، ونقل لنظارة الخارجية وما لبث أن عين سكرتيرا للنظارة، وعلى إثر مقتل بطرس باشا رأى الخديو عباس حلمى الثانى مواساة العائلة أن يرقى نجيب لمنصب وكيل النظارة، واستمر على ذلك طيلة عشر سنوات، حتى استقال بدوره مع وزارة حسين باشا رشدى فى إطار أزمته مع الحكومة البريطانية التى رفضت رفع الحماية البريطانية، ولهذا لم يتردد عدلى باشا يكن فى ضم نجيب لأول وزارة يترأسها واستقال مرة أخرى بعد 6 شهور مع الوزارة، وانصرف لإدارة أملاكه التى ورثها من والده.
وتزوج نجيب فى 1907 من «أنا كيفورلا» وهى من أسرة أرمينية ورزق ولدين هما «ميريت وجفرى»، وكانت «أنا غالى» من رائدات الخير وأسست جمعية القبطيات، وخصص نجيب ضمن أنشطته الخيرية جزءا غير قليل من وصيته للمنشآت القبطية والبطرسية!
هناك العديد من «العائلات» التى شاركت فى تشكيل تاريخ الدولة المصرية، وتستحق الرصد باعتبارها نموذجا إنسانيا خاصا استطاع طيلة قرون كثيرة أن يؤثر فى الواقع المصرى، فى كل الساحات السياسية والاقتصادية والفنية وحتى الدينية بالإيجاب أحيانًا، والسلب أحيانا، قائمة هذه النوعية من العائلات ليست بقصيرة كما يتصور البعض، ومنها «العائلة البطرسية» والتى تمتد شهرتها من النصف الثانى من القرن التاسع عشر إلى الآن.
الاسم الأشهر بين شجرة هذه العائلة الممتدة هو «بطرس باشا غالى»، الذى يعد واحداً من أشهر رؤساء وزراء مصر على مر التاريخ وأكثرهم جدلا، لكن لا أحد يعرف والده الذى كشفت عنه أحدث إصدارات دوريات العائلات التى تصدرها مكتبة الإسكندرية، وهذه المرة تحمل عنوان «العائلة البطرسية سيرة عائلة قبطية» وهو «غالى بك نيروز» الموظف فى دائرة الأمير مصطفى فاضل، وكان قد ولد «بطرس غالى» فى بلدة «الميمون» ببنى يوسف فى 12 مايو 1846.
فى السادسة التحق بطرس بأحد كتاتيب القرية، وبعدها ذهب إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة «حارة السقايين» وتلقى فيها مبادئ اللغات «العربية والفرنسية والقبطية» وتعلم أيضا الفارسية والتركية فى مدرسة الأمير مصطفى فاضل، وكان لا يمل بطرس من التعلم حتى حذره زملاؤه ووالده من تأثير ذلك على صحته، لكنه تعلم الإنجليزية والإيطالية أيضا.
بدأ بطرس أفندى غالى حياته العملية كمدرس فى أول مدرسة التحق بها براتب 700 قرش، ثم عمل فى مجلس التجارة بالإسكندرية وظل يترقى حتى صار رئيسا لكتاب المجلس، ويتعرف على ناظر الداخلية «محمد شريف باشا» الذى أعجب بمعرفته باللغات وعينه رئيسا لكتاب نظارة الحقانية، ومن بعده تعرف بطرس أفندى على «نوبار باشا» رئيس النظار وقتها ومنح رتبة البكوية تقديرا له على دوره كعضو فى لجنة توصية الديون أيام الأزمة المالية فى عهد الخديوى إسماعيل، وتوقع له المندوب الإنجليزى فى اللجنة أن يكون ناظرا للمالية يوما ما!
وشارك بطرس بك وبعدها بفترة باشا فى عضوية العديد من هذه اللجان الضريبية والمالية، أهمها برئاسة نوبار باشا وعضوية قناصل الدول فى مصر لتعديل قوانين الموظفين الملكيين، وكان بطرس من الشاهدين على أحداث الثورة العرابية بعد أن كان من الرافضين لعزل أحمد باشا عرابى من قيادة الجيش، وأقنع عرابى بطلب الاستعطاف من الخديو محمد توفيق عقب هزيمته فى معركة التل الكبير الشهيرة، وكانا على علاقة ودية حتى إن عرابى تدخل لدى الخديو ليحصل بطرس على الباشاوية.
وانفردت هذه الموسوعة الخاصة جدا بنشر التفاصيل المهمة فى تحقيقات أحداث الثورة العرابية بالوثائق على عدة صفحات، فيما ظل بطرس باشا وكيلا لنظارة الحقانية حتى رقى ناظرا للمالية فى نظارة حسن باشا الأولى، وما لبث أن تطورت الأحداث بسرعة حتى هدد اللورد كرومر بالتصعيد وجرت مفاوضات بين ممثلى الخديو عباس حلمى الثانى و«بطرس باشا» وكرومر وفى نهايتها تم التوصل إلى حل الأزمة مع حل نظارة مصطفى فهمى باشا ونظارة حسين باشا، وتعيين مصطفى باشا رياض رئيسا للنظار، واختير بطرس باشا للمرة الثانية ناظرا للمالية، لكنه واجه صعوبات جمة منذ البداية لعدم رضاء الخديو عنها وفتور السلطات الإنجليزية تجاهها، وانتهى الأمر باستقالة جديدة بعد ثلاثة شهور.
وفى نظارة نوبار باشا التالية اختير بطرس باشا ناظرا للخارجية ولم تلبث هى الأخرى فى الحكم طويلا وقدمت استقالتها بعد 7 شهور لمرض نوبار باشا وعدم ارتياح الخديو لها لرفضها رغبة عودة الخديو إسماعيل لمصر فى أيامه الأخيرة، وعاد مصطفى باشا رياض لرئاسة النظارة واستمر بطرس باشا فى موقعه، وكانت هذه النظارة الأطول فى هذه الفترة حيث استمرت 13 عاما.
وتمكن بطرس باشا فى لعب أدوار مهمة طوال تلك الفترة أشارت إليها الموسوعة بالتفصيل وبالوثائق، ومنها التوقيع من الجانب المصرى على اتفاقية 1899 التى حددت وضع السيادة فى السودان، وكان وضع مصر شكليا، فى الحكم الثنائى لمصر وإنجلترا فى السودان، لكن لولا التواجد المصرى هناك لانفردت إنجلترا بالسودان وقضت على ثقافتها العربية والإسلامية، ورد بطرس غالى على الانتقادات التى وجهت لتوقيعه على الاتفاقية بأن الأقاليم السودانية تمثل ينبوع الحياة لمصر وكلف وادى النيل مصر تضحيات جسيمة، فكان من الضرورى أن تعترف إنجلترا بالحق المصرى وتعادلها الأقاليم التى كانت تحتلها أيام ثورة محمد أحمد، ووصف المؤرخون توقيع مصر بالإذعان لأن الخديو أجبر عليه!
ويشهد التاريخ بموقف بطرس باشا الذى رفض طلب إنجلترا أو القائد الصهيونى «تيودور هيرتزل» فى 1902 بإنشاء شركة فى سيناء تقوم باستيطان اليهود هناك، لكن طالبت الحركة الصهيونية من إنجلترا الضغط على الحكومة المصرية للموافقة على المشروع، ومارس كرومر كل الطرق لذلك إلا أن الحكومة المصرية جددت رفضها بصفة قاطعة ونهائية، وبعدها بدأ اليهود والإنجليز البحث عن مكائد آخر للتخلص من اللاجئين اليهود الذين تسببوا فى أزمة اقتصادية كبيرة للعمال البريطانيين بتقاضيهم أجورا أقل منهم.
ولعب بطرس باشا دورا كبيرا فى انهاء الأزمات الحدودية بين مصر والدولة العثمانية فى الحدود الغربية والشرقية بإثبات مصرية طابا فى أكتوبر ,1906 لكن من النقاط السوداء فى تاريخ بطرس باشا دوره فى محاكمة دنشواى عندما كان ناظر الحقانية بالنيابة، وأخذت عليه رئاسته للمحكمة التى كانت قد جهزت للإعدام حتى قبل الحكم بإرسال المشانق لهناك قبلها بأيام، وتحاول الموسوعة بشكل غير محايد الدفاع عن بطرس باشا وكأنها لا تؤرخ لأحداث، بل تدافع عن رب عائلة مصرية تاريخية، وبعد ذلك بوقت قليل وصل بطرس باشا لرئاسة النظار، وأصبح أول مصرى يشغل هذا المنصب، واستمر أيضا كناظر للخارجية، وفى تلك الفترة تفاعل بطرس مع القوى الوطنية وأصدر قانونا بعلانية جلسات مجلس الشورى، وتوسيع اختصاصاته، ورغم أنه قبطى منح قانون بإجازة يوم رأس السنة الهجرية، لكنه أثار قوى الحريات بقانون المطبوعات بعد حملات الصحف ضده والذى عرف «بقانون إسكات الصحف» رغم أن الموسوعة دافعت عن «بطرس غالى» وقالت إنه اضطر لذلك وأجبره عليها الخديو، لكنه لم يستطع أن يدافع عنه فى مد الامتياز لشركة قناة السويس لأنه كان من مؤيدى المشروع، رغم اعتراض الكثيرين، خاصة قيادات الحزب الوطنى ومنهم محمد بك فريد رئيسه، وكان يبرر ذلك بحاجة الحكومة المصرية للأموال، ولكنه أحال المشروع للجمعية العمومية وقتها بعد الضغوط السياسية عليه.
وكان لبطرس باشا موقف خاص فى التعامل مع الكنيسة، حيث كان يرمى إلى تقليص نفوذ البطريرك لصالح المجالس الملية مقابل الاتجاه المضاد للبطريرك كيرلس الخامس، وأدى الصراع بين الاتجاهين إلى استصدار قرار بإبعاد البطريرك وتجريده من سلطاته لمدة زادت عن العام فى سبتمبر ,1892 وكان قد نجح بطرس بك فى المجلس الملى الأول فى 2 فبراير ,1874 وقاوموه باعتبارها مؤسسة مدنية، واستمر الصراخ لأكثر من عقدين، وتصاعدت هذه الأزمة ورفع الخديو يده عنها لصالح بطرس باشا ضد البطريرك الذى لجأ لمخاطبة قناصل الدول الغربية لاسترضاء الخديو، غير أن الجميع أكد أنه شأن داخلى، وتم إبعاد البطريرك بطلب من أعضاء المجلس الملى للخديو، وانتهت الأزمة لصالح بطرس باشا.
وكان لبطرس باشا نفوذه الكنسى خارج مصر أيضا ووصل حتى الحبشة، فكان يختار البطاركة المرسلين لأديس أبابا، وفى المقابل كان واسع الاطلاع على الشريعة الإسلامية، ويشهد له أئمته بالتبحر فيها، ولم يكن متعصبا لأبناء طائفته، وكان أول من ذهب إلى الشيخ «سليم البشرى» إثر إقالة الخديو له من مشيخة الأزهر وفتح الطريق للأقباط فى مجالات شتى لم يطرقوها قبله!
وفى السياق الإنسانى تزوج بطرس غالى من السيدة صفا خليل أبوالعز والتى يقال إنها ابنة خالته، وأنجب منها 3 أولاد وبنتا واحدة، وهم نجيب وواصف وراغب وجليلة.
كما كانت حياته مثيرة بالمواقف الإيجابية والسلبية، وكانت نهايتها مثيرة أيضا عندما اغتاله الشاب «إبراهيم ناصف الوردانى» بإطلاق الرصاص عليه وهو خارج من ديوان الخارجية، وتوفى فى مستشفى الدكتور ملتون بعدما فشلت كل محاولات إنقاذه من الدكتور سعد الخادم، وقال الوردانى فى التحقيقات التى قتل بطرس باشا فى 20 فبراير 1910 لأنه ترأس محكمة دنشواى وأعاد قانون المطبوعات وكان له دور فى مد امتياز قناة السويس، وزار الخديو عباس حلمى الثانى بطرس الجريح فى المستشفى وقبله فى وجهه والدموع تملأ عينيه، فشب قليلا وقال له «العفو يا أفندينا متشكر»! وكانت المرة الأولى التى يزور الخديو بيوت أحد المصريين من خلال تقديم واجب العزاء فيه، وقال عنه شيخ الأزهر وقتها أن ذلك المسيحى عمل من الخير للمسلمين ما لم يقدر على عمله كثير منهم!
وتنسب إلى بطرس باشا كلمات أخرى مثل مواقفه منها أنه رضى باتفاقية السودان رغم أنفه، وحادث دنشواى لا هى معه ولا هى ضده، وأما عن قانون المطبوعات فهو من اختصاص نظارة الداخلية، إلا أن هذه التبريرات لم تفلح فى طمس الخلفيات التاريخية التى تركها بطرس باشا فى حياته رغم إنجازاته الخاصة جدا.
وثانى أشهر فرد فى «العائلة البطرسية» هو نجيب أفندى غالى الابن الأكبر لبطرس غالى الذى درس الحقوق فى فرنسا، وعين بعد عودته فى وظيفة مساعد نائب فى المحاكم المختلطة، ونقل لنظارة الخارجية وما لبث أن عين سكرتيرا للنظارة، وعلى إثر مقتل بطرس باشا رأى الخديو عباس حلمى الثانى مواساة العائلة أن يرقى نجيب لمنصب وكيل النظارة، واستمر على ذلك طيلة عشر سنوات، حتى استقال بدوره مع وزارة حسين باشا رشدى فى إطار أزمته مع الحكومة البريطانية التى رفضت رفع الحماية البريطانية، ولهذا لم يتردد عدلى باشا يكن فى ضم نجيب لأول وزارة يترأسها واستقال مرة أخرى بعد 6 شهور مع الوزارة، وانصرف لإدارة أملاكه التى ورثها من والده.
وتزوج نجيب فى 1907 من «أنا كيفورلا» وهى من أسرة أرمينية ورزق ولدين هما «ميريت وجفرى»، وكانت «أنا غالى» من رائدات الخير وأسست جمعية القبطيات، وخصص نجيب ضمن أنشطته الخيرية جزءا غير قليل من وصيته للمنشآت القبطية والبطرسية!