القضاء عند البدو (القتل)
(القتل) فعل مبغوض عند العرب إلا إذا كان في سبيل الأخذ بالثأر أو الذود عن
العرض الديار, فإنه ممدوح ولطالما افتخروا به ويسمى البدو القتل في هاتين الحالتين
(أخذ بالثأر ونفي العار).
عندما يتأثر الرجل لنفسه ويقتل قاتل أبيه, أو ولده, أو أخيه, أو أيا كان من خمسة
القاتل انتقاما للمقتول من أهله وعشيرته يشعر بارتياح عظيم ويغمس منديله أو ثوبه
بدم الرجل الذي قتله ثم يرفع ذلك على عصاه أو سيفه أو بندقية. وعند يقبل على مضارب
عشيرته وهو على هذا الحال يستقبل من قبل النساء بالزغاريد فيذكرون بافتخار أنه (جاب الثار بعيار ونار) أو (جاب الثار واطفى العار). تلك عادة نجد جذورها بالجاهلية. إذا
كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يدعى (الهامه)
وحلق فرق قبره فلا يزال يزقو قائلا (اسقوني اسقوني) حتى يثأر له, وإلى ذلك أشار (ذو
الإصبع العدواني) بقوله (يا عمر لم تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني)
فأبطلها النبي عليه الصلاة والسلام (لا طير ولا هامة في الإسلام).
يتحتم على القاتل, عندما يقترف فعل القتل, أن يجلو عن دياره إلى ديار أخرى.
يجلو مع القاتل كل فرد من أفراد خمسته.
إذا كان القاتل والمقتول من عشيرة واحدة أو من عشيرته تنتميان إلى صف واحد فيجب
على القاتل وخمسته أن يجلوا إلى ديار غير ديارهم الأصلية . وأما إذا كان ينتميان
إلى صفين مختلفين فإن القاتل وجماعته لا يجلون بل يبقون مع عشيرتهم.
يجوز لأهل القتيل أن ينتقموا لقتيلهم من أي رجل يدخل في دموية القاتل: ومعنى ذلك
أن كل رجل قريب من القاتل حتى ولو كان ينتمي إلى عاشر جد أو أكثر يعد من دمويته إلا
إذا كان بينهم (طلوع سابق).
يجري (الطلوع) على النمط التالي: إذا عزم واحد من نسل الجدود الذين يأتون بعد
الجدود الخمسة الأولى الخروج من بين الخمسة يستطيع ذلك بشرط أن يشهد على عزمه هذا
رجالا آخرين. إنه إذا فعل ذلك لا يكون مسؤولا عن أية جناية يقترفها بعدئذ أي كان من
نسل الجدود الخمسة الأولى ولا يترتب على رجل كهذا أن يخسر (قعود النوم).
إن نفس الشرط يسري على من كان خمسة القاتل, ويثبت أن بينه وبين هؤلاء الخمسة
تقاطع سابق. فإذا أثبت الرجل أنه قد افترق عن أولاد عمه قبل أن يقترف واحد منهم
جناية قتل فإنه لا يسأل عما فعله هذا, ولا يشترك مع أهله في دفع الدية وليس عليه في
هذه الحالة أن يعطي أهل المقتول (بعير النوم).
وأما إذا أراد ابن الجد السادس أو السابع فما فوق أن يتخلص من المسؤولية بعد
القتل فإنه يستطيع أن يفعل ذلك بشرطين:
أولهما: أن يعد الخمس.
ثانيهما: أي يعطي بعير النوم.
إذا تبرأت أسرة من الأسر من أحد أفرادها الداخلين في خمستها لشراسة خلقه وأشهدت
على عملها هذا رجالا آخرين فإنها لا تسأل عن أي فعل يقترفه ذلك الرجل بعد تاريخ
التبرؤ فكما أنها تشترك بدفع أي قسط من دية القتيل الذي قتله فإنها أيضا لا تطرد من
أجل ذلك, ورجل كهذا يسمى في عرف العرب (مشمس).
يشترط في قبول بعير النوم إن الذي يعطيه لا يعارض أهل القتيل فيما إذا أرادوا
الانتقام من القاتل الحقيقي أو من خمسته الذين لا يدخلون في نطاق إحدى المواد
المتقدم ذكرها وكذلك لا يحق لأولاده أن يعارضوا في ذلك.
يجوز لأهل القتيل أو أي كان من خمسته لا أن يقتلوا من يصادفونه من خمسة القاتل
فحسب بل أن يهبوا ما يصادفونه من مال وحلال أيضا. وتسمى حالتهم هذه (فورة الدم) أو
(شعث الدم). وكل ما ينهبونه في شعث الدم من مال وحلال يكون من نصيبهم, ولا يحسب من
الدية, ولا يستثنى من ذلك سوى الأرض والعرض.
لا يجوز نهب أرض القاتل أو أي أرض من أراضي خمسته.
لا يجوز الاعتداء على عرض أي امرأة من نساء القاتل أو أي كان من خمسته.
اختلف العربان فيما إذا كان من الجائز الانتقام أثناء شعث الدم بقتل طفل من
أولاد القاتل. إذ أن القسم الأكبر يشترط لأجل الثأر أن يكون المثؤور منه قادرا على
حمل السلاح.
لا يجوز قتل امرأة في سبيل الانتقام.
مدة (شعث الدم) يوم واحد. وهنالك من يقول أنها ثلاثة أيام.
لا يجوز نهب المال والحلال بعد انقضاء مدة (شعث الدم), وإنما يجوز قتل النفس
للانتقام
إذا كان بين أهل القاتل امرأة تنتمي بالنسب إلى أهل القتيل فإنه يجوز لها أن
تقتل واحدا من أهل بعلها أخذا الثأر المقتول من أهلها أو عشيرتها.
كان قتيل بقيتل. مثلا: إذا قتل زيد عمرا فلدموية عمرو أن تنتقم من دموية زيد.
وذلك بقتلهم واحد منهم فقط. وإما إذا قتلوا اثنين. فواحد يذهب دمه ويظلون مطرودين
حتى يطيبوا ويدفعو الدية.
يظل دموية القاتل جالين حتى تجري الطيبة, أو يأخذ دموية القاتل من دموية
المقتول عطوة. إلا إذا كان بينهم طلوع كما تقدم.
إذا ذبح القاتل أو ذبح واحد من دمويته, يرجع الجالون الآخرون إلى ديارهم,
ويصبحون في أمان من شر خصمهم ونقمته.
إذا أمسكت الحكومة القاتل وسجنته فلا يحق لدمويته الجالين أن يرجعوا إلى
ديارهم.
إذا تمكن أهل القتيل, قبل صدور حكم القضاء, من خصومهم فإنهم يثأرون لأنفسهم
بقتل واحد منهم.
وأما إذا قضت المحكمة بموت القاتل شنقا أو رميا بالرصاص قبل أن يتمكن أهل
القتيل منه أو من أهله, فلا يجوز لهم بعد ذلك أن يثأروا لأنفسهم بأيديهم إذ أن الذي
أعدمته الحكومة الحياة يسد مسد الرجل الذي قتله.
إذ مات القاتل موته طبيعة وهو في السجن, فلا يجوز لأهله أن يطالبوا أحد يموته.
ولا يجوز لهم أن يعتبروا موته هذا سادا عن القتل الذي اقترفه, والذي سجن من أجله
ويحق في عرف العربان لأهل القتيل أن يثأروا لأنفسهم بقتل واحد من دموية القاتل الذي
مات في السجن.
ومتى خرج القاتل من السجن بعد انقضاء مدة الحكم يجوز لأهل القتيل أن يطردوه أو
يطردوا أيا كان من دمويته إذا لم يكونوا انتقموا منهم قبلا.
في أثناء سرين العطوة يتحتم على القاتل أو دمويته أن يطيبوا و(الطيبة) تجري على
الطريقة التالية:
على القاتل أن يرسل عددا من وجوه العربان إلى أهل القتيل, ويرسل معهم جملا مكسوا,
وبيت شعر, ونعاج وماء وقهوة وسكر وصابون, وصحون, وطناجر, وجميع ما يلزم للطبخ من
ماء ووقيد وآلات وأواني حتى يكون مع هذه الحملة نساء من أقرباء القاتل, فينصبون بيت
الشعر وراء بيت أهل المقتول. وتزغرد النساء, ويغنين ثم يدخل الرجال على الرجال
والنساء على النساء.
يدخل القاتل إذا كان حاضرا (أو أبوه أو أخوه أو ابن عمه أو أقرب الأقربين إليه من
خمسته) بيت النساء من أهل القتيل ويضع عباءته على رأسه. ويحتضن واحد من أولاد
القتيل. (الرجل معه أحد أقاربه أو أحد المشايخ الذين يكون قد احتمى بهم. فيقول هذا
إلى والد القتيل (الرجل في بيتك هرع) في منام صفوفك, والحي أبقى من الميت. من سلم
سلم, خذ من المال عن رجلك. خذ ما تريد وخل ما تكيد). وأما نساء الدخيل فإنهن في تلك
البرهة يزغردن ويغنين ويمدحن والد المقتول استجلابا لخاطره. فيطلب والد المقتول
(غرة) مالها سياق و سياقها والدها يوم يحمل ولدها السلاح (تقعد) لأهلها. ويطلب دية
محمدية( أي أربعين بعير أو أنه يطلب طلبات كثيرة شديدة علما منه بأن قسما منها لابد
وأن يخفض من أجل خاطر زيد وعمرو من الحاضرين.
عندما يطلب هذه الطلبيات يجيبه الحاضرون بنعم, وكل ما يطلب طلبا يقولون له (قل ودل)
كل ذلك يجري دون أن يقدم أهل القتيل القهوة أو الطعام لضيوفهم. ولو قدموه فإن أهل
القاتل أو (الجاهة) الذين معهم لا يقبلون شيئا مما تقدم لهم حتى ينالوا ما يطلبون.
بعد أن ينتهي والد القتيل من ذكر جميع طلباته يتقدم إليه الحاضرون بالرجاء كي ينزل
من أجل الله, ثم من أجل نبيه, من أجل الحاضرين فردا فردا بحسب مراتبهم.
وعله هو أن يكرم وأن ينزل كل ما طلب إليه ذلك, ويظل الفريقان في سؤال وجواب على هذه
الحالة حتى تنزل الطلبات إلى حد مقبول. والحد المعقول في مسائل القتل هو الدية
المألوفة بين العربان, وهي أربعون بعيرا أو ثمنها, وقد تنزل الدية إلى أقل من ذلك
برضاء أهل القتيل.
عندما يتم الاتفاق على ذلك يقوم أهل القاتل فيقبلون رأس والد القتيل, ثم يقول هذا
ويقدم الطعام إلى ضيوفه, الرجال مع الرجال والنساء مع النساء, وتبدأ الزغاريد وتقوم
الأفراح ويفترق الفريقان وهما على صلح ووئام.
وهنالك نوع آخر من الطيبة تجري من غير أن تدفع الدية, فيشتري القاتل ويسمى الفعل
(شروة دم). ولأجل إيضاح ذلك نورد الحادثة التالية:
قتل قبل زمن بعيد رجل من علامات أبي شنار يدعى (العصيبي) رجلا من حكوك أبي عبدون
يدعى (عويمر), وشرد, فطرده (عديسان أبو عبدون) ليقتله وظل العصيبي يشرد من مكان إلى
مكان وعديسان من روائه, إلى أن هبط الأول أرض مصر. وكان الثاني لا يزال مقتفيا أثره
إلى أن لحق به ذات ليلة وكمن له وراء خيمته مترقبا الفرص لقتله. وعندما أدبر النهار
وجن الليل أراد العصيبي أن ينام. ولكن أنى لعينه المرتكبة أن تغمض, ولقلبه الخائف
أن يهجع. فعاتبته امرأته لجبنه هذا. مع أن بينه وبين خصمه مسافات شائعة. فقال لها
(حرام علي النوم ما دام عديسان من وراي). فقام عديسان من فوره ودخل البيت وأعطاه
الأمان. ولما رجعا أراد العصيبي أن يدفع الدية إلا أن عديسان تمنع من قبولها, ولكنه
اشترى الدم بأن اتفق معه على أن يدفع العصيبي معه وأن يدفع نسله من بعده مع نسل
عديسان أي دية تترتب عليهم في مستقبل الأيام, وأن لا يكون هو أي كان من نسله مسؤولا
عن أي جرم يقترفه العصيبي أو أي كان من نسله بعده.
إذا حدث أن والد المقتول لم يقبل الطيبة لازم أهل القاتل وتبعوه أينما حل
وحيثما ساء حتى يجبروه على الصلح.
لا يستطيع والد القتيل ولا أي كان من خمسته أن ينتقموا في هذه الحالة لأن
العطوة تكون سارية والوجوه تكون مع أهل القاتل.
بعد أن يتم الاتفاق على دفع الدية يعين الفريقاء كفلاء. فعلى الفريق الذي ينتمي
إليه القاتل أن يقدم كفيلا للأداء, والوفاء, وعلى الفريق الذي ينتمي إليه المقتول
أن يقدم كفيلا (للدفاء).
يجب أن يكون كفيل الوفاء من رجال لا ينتمون إلى خمسة المقتول.
لا يجوز قتل الرجل النائم لأنه معدود من الأموات. وإذا قتل وهو نائم فإن ديته
مربعة.
وأما إذا جاء رجل آخر ليقتله, ووجده نائما, فإن عليه أن يوقظه من نومه, فيناديه
ثلاث مرات باسم ويجب أن يكون صوته عاليا لدرجة يسمعه الجار وثالث جار. فإذا ناداه
ثلاثا على هذه الصورة ولم ينتبه النائم وقتله فإنه لدى المقاضاة يدفع دية أربعة
رجال إلا إذا كان القتل من أجل الثأر تلقاء قتل سابق, وفي هذه الحالة لا يشترط
تنبيه النائم.
ليس أعيب من قتل المرأة لأنها في نظر البدو (عين بصيرة ويد قصيرة) وقاتلها يدفع
ديتا مربعا. ولكن دية المرأة نصف دية الرجل فتربيعها ثمانون بعيرا وسنفصل ذلك في
فصل الدية.
التقاضي من أجل حوادث القتل يجري عند (مناقع الدموم).
إثبات القتل يكون بالشهود,وإذا لم يكن هنالك شهود يكلف القاتل باليمين أو
بالبشعة.
إذا لم يوجد شهود على القتل فلصاحب الدم الخيار بين أن يقبل يمين المتهم بالقتل
أو يطلب منه البشعة.
إذا كان القاتل معروفا يطرد هو ودمويته كما تقدم. ولا لزوم هنا لأن ينذر أهل
القتيل أهل القاتل, وأما لم يكن القاتل معروفا ولكنه عرف بعد حدوث القتل بمدة
وتكونت دلائل جديدة تدل على أن القاتل هو زيد من الناس فعلى أهل القتيل أن يأتوا
بشهودهم ويثبوا القتل ولهم أيضا أن يكلفوا المتهم بالقتل أو أيا كان من أهله
باليمين أو بالبشعة.
إذا أنكر القاتل القتل مدة ثم ثبت بعد حين بالشهود أو البشعة أنه هو القاتل
فعليه أن يدفع الدية مربعة, إذا أن دية القتيل المذكور كدية الرجل المقتول وهو
نائم.
الفصل الأول في العطوة
(القتل) فعل مبغوض عند العرب إلا إذا كان في سبيل الأخذ بالثأر أو الذود عن
العرض الديار, فإنه ممدوح ولطالما افتخروا به ويسمى البدو القتل في هاتين الحالتين
(أخذ بالثأر ونفي العار).
عندما يتأثر الرجل لنفسه ويقتل قاتل أبيه, أو ولده, أو أخيه, أو أيا كان من خمسة
القاتل انتقاما للمقتول من أهله وعشيرته يشعر بارتياح عظيم ويغمس منديله أو ثوبه
بدم الرجل الذي قتله ثم يرفع ذلك على عصاه أو سيفه أو بندقية. وعند يقبل على مضارب
عشيرته وهو على هذا الحال يستقبل من قبل النساء بالزغاريد فيذكرون بافتخار أنه (جاب الثار بعيار ونار) أو (جاب الثار واطفى العار). تلك عادة نجد جذورها بالجاهلية. إذا
كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يدعى (الهامه)
وحلق فرق قبره فلا يزال يزقو قائلا (اسقوني اسقوني) حتى يثأر له, وإلى ذلك أشار (ذو
الإصبع العدواني) بقوله (يا عمر لم تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني)
فأبطلها النبي عليه الصلاة والسلام (لا طير ولا هامة في الإسلام).
يتحتم على القاتل, عندما يقترف فعل القتل, أن يجلو عن دياره إلى ديار أخرى.
يجلو مع القاتل كل فرد من أفراد خمسته.
إذا كان القاتل والمقتول من عشيرة واحدة أو من عشيرته تنتميان إلى صف واحد فيجب
على القاتل وخمسته أن يجلوا إلى ديار غير ديارهم الأصلية . وأما إذا كان ينتميان
إلى صفين مختلفين فإن القاتل وجماعته لا يجلون بل يبقون مع عشيرتهم.
يجوز لأهل القتيل أن ينتقموا لقتيلهم من أي رجل يدخل في دموية القاتل: ومعنى ذلك
أن كل رجل قريب من القاتل حتى ولو كان ينتمي إلى عاشر جد أو أكثر يعد من دمويته إلا
إذا كان بينهم (طلوع سابق).
يجري (الطلوع) على النمط التالي: إذا عزم واحد من نسل الجدود الذين يأتون بعد
الجدود الخمسة الأولى الخروج من بين الخمسة يستطيع ذلك بشرط أن يشهد على عزمه هذا
رجالا آخرين. إنه إذا فعل ذلك لا يكون مسؤولا عن أية جناية يقترفها بعدئذ أي كان من
نسل الجدود الخمسة الأولى ولا يترتب على رجل كهذا أن يخسر (قعود النوم).
إن نفس الشرط يسري على من كان خمسة القاتل, ويثبت أن بينه وبين هؤلاء الخمسة
تقاطع سابق. فإذا أثبت الرجل أنه قد افترق عن أولاد عمه قبل أن يقترف واحد منهم
جناية قتل فإنه لا يسأل عما فعله هذا, ولا يشترك مع أهله في دفع الدية وليس عليه في
هذه الحالة أن يعطي أهل المقتول (بعير النوم).
وأما إذا أراد ابن الجد السادس أو السابع فما فوق أن يتخلص من المسؤولية بعد
القتل فإنه يستطيع أن يفعل ذلك بشرطين:
أولهما: أن يعد الخمس.
ثانيهما: أي يعطي بعير النوم.
إذا تبرأت أسرة من الأسر من أحد أفرادها الداخلين في خمستها لشراسة خلقه وأشهدت
على عملها هذا رجالا آخرين فإنها لا تسأل عن أي فعل يقترفه ذلك الرجل بعد تاريخ
التبرؤ فكما أنها تشترك بدفع أي قسط من دية القتيل الذي قتله فإنها أيضا لا تطرد من
أجل ذلك, ورجل كهذا يسمى في عرف العرب (مشمس).
يشترط في قبول بعير النوم إن الذي يعطيه لا يعارض أهل القتيل فيما إذا أرادوا
الانتقام من القاتل الحقيقي أو من خمسته الذين لا يدخلون في نطاق إحدى المواد
المتقدم ذكرها وكذلك لا يحق لأولاده أن يعارضوا في ذلك.
يجوز لأهل القتيل أو أي كان من خمسته لا أن يقتلوا من يصادفونه من خمسة القاتل
فحسب بل أن يهبوا ما يصادفونه من مال وحلال أيضا. وتسمى حالتهم هذه (فورة الدم) أو
(شعث الدم). وكل ما ينهبونه في شعث الدم من مال وحلال يكون من نصيبهم, ولا يحسب من
الدية, ولا يستثنى من ذلك سوى الأرض والعرض.
لا يجوز نهب أرض القاتل أو أي أرض من أراضي خمسته.
لا يجوز الاعتداء على عرض أي امرأة من نساء القاتل أو أي كان من خمسته.
اختلف العربان فيما إذا كان من الجائز الانتقام أثناء شعث الدم بقتل طفل من
أولاد القاتل. إذ أن القسم الأكبر يشترط لأجل الثأر أن يكون المثؤور منه قادرا على
حمل السلاح.
لا يجوز قتل امرأة في سبيل الانتقام.
مدة (شعث الدم) يوم واحد. وهنالك من يقول أنها ثلاثة أيام.
لا يجوز نهب المال والحلال بعد انقضاء مدة (شعث الدم), وإنما يجوز قتل النفس
للانتقام
إذا كان بين أهل القاتل امرأة تنتمي بالنسب إلى أهل القتيل فإنه يجوز لها أن
تقتل واحدا من أهل بعلها أخذا الثأر المقتول من أهلها أو عشيرتها.
كان قتيل بقيتل. مثلا: إذا قتل زيد عمرا فلدموية عمرو أن تنتقم من دموية زيد.
وذلك بقتلهم واحد منهم فقط. وإما إذا قتلوا اثنين. فواحد يذهب دمه ويظلون مطرودين
حتى يطيبوا ويدفعو الدية.
يظل دموية القاتل جالين حتى تجري الطيبة, أو يأخذ دموية القاتل من دموية
المقتول عطوة. إلا إذا كان بينهم طلوع كما تقدم.
إذا ذبح القاتل أو ذبح واحد من دمويته, يرجع الجالون الآخرون إلى ديارهم,
ويصبحون في أمان من شر خصمهم ونقمته.
إذا أمسكت الحكومة القاتل وسجنته فلا يحق لدمويته الجالين أن يرجعوا إلى
ديارهم.
إذا تمكن أهل القتيل, قبل صدور حكم القضاء, من خصومهم فإنهم يثأرون لأنفسهم
بقتل واحد منهم.
وأما إذا قضت المحكمة بموت القاتل شنقا أو رميا بالرصاص قبل أن يتمكن أهل
القتيل منه أو من أهله, فلا يجوز لهم بعد ذلك أن يثأروا لأنفسهم بأيديهم إذ أن الذي
أعدمته الحكومة الحياة يسد مسد الرجل الذي قتله.
إذ مات القاتل موته طبيعة وهو في السجن, فلا يجوز لأهله أن يطالبوا أحد يموته.
ولا يجوز لهم أن يعتبروا موته هذا سادا عن القتل الذي اقترفه, والذي سجن من أجله
ويحق في عرف العربان لأهل القتيل أن يثأروا لأنفسهم بقتل واحد من دموية القاتل الذي
مات في السجن.
ومتى خرج القاتل من السجن بعد انقضاء مدة الحكم يجوز لأهل القتيل أن يطردوه أو
يطردوا أيا كان من دمويته إذا لم يكونوا انتقموا منهم قبلا.
في أثناء سرين العطوة يتحتم على القاتل أو دمويته أن يطيبوا و(الطيبة) تجري على
الطريقة التالية:
على القاتل أن يرسل عددا من وجوه العربان إلى أهل القتيل, ويرسل معهم جملا مكسوا,
وبيت شعر, ونعاج وماء وقهوة وسكر وصابون, وصحون, وطناجر, وجميع ما يلزم للطبخ من
ماء ووقيد وآلات وأواني حتى يكون مع هذه الحملة نساء من أقرباء القاتل, فينصبون بيت
الشعر وراء بيت أهل المقتول. وتزغرد النساء, ويغنين ثم يدخل الرجال على الرجال
والنساء على النساء.
يدخل القاتل إذا كان حاضرا (أو أبوه أو أخوه أو ابن عمه أو أقرب الأقربين إليه من
خمسته) بيت النساء من أهل القتيل ويضع عباءته على رأسه. ويحتضن واحد من أولاد
القتيل. (الرجل معه أحد أقاربه أو أحد المشايخ الذين يكون قد احتمى بهم. فيقول هذا
إلى والد القتيل (الرجل في بيتك هرع) في منام صفوفك, والحي أبقى من الميت. من سلم
سلم, خذ من المال عن رجلك. خذ ما تريد وخل ما تكيد). وأما نساء الدخيل فإنهن في تلك
البرهة يزغردن ويغنين ويمدحن والد المقتول استجلابا لخاطره. فيطلب والد المقتول
(غرة) مالها سياق و سياقها والدها يوم يحمل ولدها السلاح (تقعد) لأهلها. ويطلب دية
محمدية( أي أربعين بعير أو أنه يطلب طلبات كثيرة شديدة علما منه بأن قسما منها لابد
وأن يخفض من أجل خاطر زيد وعمرو من الحاضرين.
عندما يطلب هذه الطلبيات يجيبه الحاضرون بنعم, وكل ما يطلب طلبا يقولون له (قل ودل)
كل ذلك يجري دون أن يقدم أهل القتيل القهوة أو الطعام لضيوفهم. ولو قدموه فإن أهل
القاتل أو (الجاهة) الذين معهم لا يقبلون شيئا مما تقدم لهم حتى ينالوا ما يطلبون.
بعد أن ينتهي والد القتيل من ذكر جميع طلباته يتقدم إليه الحاضرون بالرجاء كي ينزل
من أجل الله, ثم من أجل نبيه, من أجل الحاضرين فردا فردا بحسب مراتبهم.
وعله هو أن يكرم وأن ينزل كل ما طلب إليه ذلك, ويظل الفريقان في سؤال وجواب على هذه
الحالة حتى تنزل الطلبات إلى حد مقبول. والحد المعقول في مسائل القتل هو الدية
المألوفة بين العربان, وهي أربعون بعيرا أو ثمنها, وقد تنزل الدية إلى أقل من ذلك
برضاء أهل القتيل.
عندما يتم الاتفاق على ذلك يقوم أهل القاتل فيقبلون رأس والد القتيل, ثم يقول هذا
ويقدم الطعام إلى ضيوفه, الرجال مع الرجال والنساء مع النساء, وتبدأ الزغاريد وتقوم
الأفراح ويفترق الفريقان وهما على صلح ووئام.
وهنالك نوع آخر من الطيبة تجري من غير أن تدفع الدية, فيشتري القاتل ويسمى الفعل
(شروة دم). ولأجل إيضاح ذلك نورد الحادثة التالية:
قتل قبل زمن بعيد رجل من علامات أبي شنار يدعى (العصيبي) رجلا من حكوك أبي عبدون
يدعى (عويمر), وشرد, فطرده (عديسان أبو عبدون) ليقتله وظل العصيبي يشرد من مكان إلى
مكان وعديسان من روائه, إلى أن هبط الأول أرض مصر. وكان الثاني لا يزال مقتفيا أثره
إلى أن لحق به ذات ليلة وكمن له وراء خيمته مترقبا الفرص لقتله. وعندما أدبر النهار
وجن الليل أراد العصيبي أن ينام. ولكن أنى لعينه المرتكبة أن تغمض, ولقلبه الخائف
أن يهجع. فعاتبته امرأته لجبنه هذا. مع أن بينه وبين خصمه مسافات شائعة. فقال لها
(حرام علي النوم ما دام عديسان من وراي). فقام عديسان من فوره ودخل البيت وأعطاه
الأمان. ولما رجعا أراد العصيبي أن يدفع الدية إلا أن عديسان تمنع من قبولها, ولكنه
اشترى الدم بأن اتفق معه على أن يدفع العصيبي معه وأن يدفع نسله من بعده مع نسل
عديسان أي دية تترتب عليهم في مستقبل الأيام, وأن لا يكون هو أي كان من نسله مسؤولا
عن أي جرم يقترفه العصيبي أو أي كان من نسله بعده.
إذا حدث أن والد المقتول لم يقبل الطيبة لازم أهل القاتل وتبعوه أينما حل
وحيثما ساء حتى يجبروه على الصلح.
لا يستطيع والد القتيل ولا أي كان من خمسته أن ينتقموا في هذه الحالة لأن
العطوة تكون سارية والوجوه تكون مع أهل القاتل.
بعد أن يتم الاتفاق على دفع الدية يعين الفريقاء كفلاء. فعلى الفريق الذي ينتمي
إليه القاتل أن يقدم كفيلا للأداء, والوفاء, وعلى الفريق الذي ينتمي إليه المقتول
أن يقدم كفيلا (للدفاء).
يجب أن يكون كفيل الوفاء من رجال لا ينتمون إلى خمسة المقتول.
لا يجوز قتل الرجل النائم لأنه معدود من الأموات. وإذا قتل وهو نائم فإن ديته
مربعة.
وأما إذا جاء رجل آخر ليقتله, ووجده نائما, فإن عليه أن يوقظه من نومه, فيناديه
ثلاث مرات باسم ويجب أن يكون صوته عاليا لدرجة يسمعه الجار وثالث جار. فإذا ناداه
ثلاثا على هذه الصورة ولم ينتبه النائم وقتله فإنه لدى المقاضاة يدفع دية أربعة
رجال إلا إذا كان القتل من أجل الثأر تلقاء قتل سابق, وفي هذه الحالة لا يشترط
تنبيه النائم.
ليس أعيب من قتل المرأة لأنها في نظر البدو (عين بصيرة ويد قصيرة) وقاتلها يدفع
ديتا مربعا. ولكن دية المرأة نصف دية الرجل فتربيعها ثمانون بعيرا وسنفصل ذلك في
فصل الدية.
التقاضي من أجل حوادث القتل يجري عند (مناقع الدموم).
إثبات القتل يكون بالشهود,وإذا لم يكن هنالك شهود يكلف القاتل باليمين أو
بالبشعة.
إذا لم يوجد شهود على القتل فلصاحب الدم الخيار بين أن يقبل يمين المتهم بالقتل
أو يطلب منه البشعة.
إذا كان القاتل معروفا يطرد هو ودمويته كما تقدم. ولا لزوم هنا لأن ينذر أهل
القتيل أهل القاتل, وأما لم يكن القاتل معروفا ولكنه عرف بعد حدوث القتل بمدة
وتكونت دلائل جديدة تدل على أن القاتل هو زيد من الناس فعلى أهل القتيل أن يأتوا
بشهودهم ويثبوا القتل ولهم أيضا أن يكلفوا المتهم بالقتل أو أيا كان من أهله
باليمين أو بالبشعة.
إذا أنكر القاتل القتل مدة ثم ثبت بعد حين بالشهود أو البشعة أنه هو القاتل
فعليه أن يدفع الدية مربعة, إذا أن دية القتيل المذكور كدية الرجل المقتول وهو
نائم.
الفصل الأول في العطوة