العيايدة أو العايد هم من تولوا خفارة المحمل الشريف وحمايةالحجاج
المصدر: الأهرام العربى
بقلم: فيصل صالح الخيرى
التاريخ هو صانع الوعي بالذات، ومنبع الفيض للمستقبل، والجذور هي كوامن الهوية، ويمثلان معا البوصلة الوحيدة القادرة علي إعادتنا نحو غد يمثلنا، في حاضر نعيش فيه، يسعي الكثيرون إلي تلويثه بشتي موبقات التفتيت.
"الأهرام العربي" قررت أن تعود إلي الجذور من أجل الفروع، وتنشر سلسلة عن القبائل العربية، لنعيش الحاضر عبر الماضي والمستقبل، من خلال متابعة تاريخ وامتدادات القبائل العربية في أقطار عالمنا العربي، علي مستوي الزمان والمكان، بغية تفويت الفرصة علي كل من تسول له نفسه، تطويع ماضي وحاضر هذه القبائل، بما يخدم أهدافه.
العايد.. من أجل القبائل العربية في مصر وأكرمها محمداً وتاريخا، غنية كانت بالسلاح والإبل والخيل والمنتجع، مما أهلها لأن تكون من أكثر قبائل مصر ثروة وأعلاها شأنا، وأشدها استعدادا للتحضر والاستقرار، والتعلق بالحرث والزرع والإنشاءات، ويبدو ذلك واضحا جليا في بطن "أباظة" الذي يعد أشهر بطون القبيلة، وقد سجل له التاريخ نشاطا وبروزا في مجالات عدة، أهمها: الحكم والإدارة والعلم والأدب، فكان بحق خير خلف لخير سلف.
وتضطرنا المعلومات التي تزودنا بها المصادر الجديرة بالثقة، إلي أن نعتبر العايد أو العائذ أحد بطون قبيلة "جذام" وهو العايد بن ناصرة بن غنم بن غطفان بن سعد بن إياس بن أفصي بن حرام بن جذام بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ.. وتعد جذام الذي تنتمي إليها العايد، من القبائل التي انتهي إليها الشرف في الجاهلية، فوصلته بالإسلام، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" رفع يديه وقال: الإيمان يمان، والحكمة ههنا، إلي لخم وجذام".
الطريق إلي مصر
وفي المصادر التي اطلعنا عليها إشارات قليلة إلي أن قبيلة العايد قد نزحت إلي الحجاز عقب الإسلام، واستوطنت في منطقة "نجد" حتي القرن السادس للهجرة، والمستفاد مما جاء في كتاب ـ المدخل الشرقي لمصر ـ للدكتور عباس عمار: أنه في أواخر عهد الأيوبيين، هاجر إلي "بلبيس" وما حولها جماعات من العايد، ولكن تأثيرهم في سكان المنطقة كان محدوداً، إذ كانوا يؤلفون طبقة منعزلة عن سائر السكان.
ولم يبدأ دورهم في الظهور إلا في القرن السابع للهجرة، فاستنادا إلي "الدكتورة إيمان عبدالمنعم" في كتابها ـ العربان ودورهم في المجتمع المصري ـ أن السلطان المملوكي "الظاهر بيبرس" قد استقدم العيايدة، وعهد إليهم خفارة المحمل الشريف وحماية الحجاج من غارات البدو الذين يسلبونهم، وينهبون المؤن التي كانت ترسل من مصر إلي الحرمين الشريفين، فحضر "الشيخ محمد العايدي الكبير" وأتباعه حوالي سنة 650 هـ، ونزلوا في ناحية "بلبيس" وأنشأوا بها قري تعرف بكفر "العايد" وقاموا بتسخير الفلاحين في زراعة أطيانها، وبقوا علي بداوتهم لفترة طويلة.
وجريا علي هذا النسق من الأحداث، يذكر "مصطفي مراد الدباغ" في كتابه، بلادنا فلسطين ـ أنه لما نزل "الظاهر بيبرس" غزة سنة 661هـ خلع علي أمراء العايد الخلع، وضمنهم البلاد، وألزمهم بتقديم الزكاة المفروضة سنويا عليهم في حينها، وطلب منهم القيام بخدمة البريد وإحضار الخيل اللازمة وكان علي العيايدة أيضا درك الحاج إلي العقبة.
تاريخ العيايدة السياسي
تبقي معلوماتنا التاريخية الموثقة عن هذا الموضوع قليلة ومبعثرة، لكننا من خلال المتوافر لدينا منها، نستطيع أن نستشف أن العيايدة قد اشتركوا في شتي الأحداث في نهاية العهد المملوكي وفي العهد العثماني، ومن ذلك أنه كانت في قبيلة "العايد" منصب "كاشف مصر" وهو إمارة شئون عربان مصر في أواخر العهد المملوكي وأوائل العهد العثماني، والمستفاد مما جاء في كتاب ـ لواء غزة في العصر العثماني الأول ـ للدكتور عصام سيسالم، أن "قراموسي" كان أول نواب غزة بعد القضاء علي فتنة "جان بردي الغزالي" نائب السلطان العثماني "سليم الأول" علي الشام ونائبه في غزة "جان بلاط"، وكانت أولي الخطوات التي اتخذها "قراموسي" في نيابة غزة تأمين السكان وإعادة ما تخرب من عمران، حيث اجتاحتها القوات التي أرسلها نائب مصر "خاير بك" وانقسم السكان ما بين موال للعثمانيين، ومناصر لجان بردي، واشتبك عرب "السوالم والعايد" الذين وقفوا لجانب العثمانيين يساندهم "طراباي بن قراجة" أمير الأسرة الحارثية في مرج ابن عامر مع الأعراب من قبيلتي "بني عطا وعطية" علي مشارف غزة، وبذلك تمكن العايد والسوالم من منعهم من مهاجمة قوافل الحجيج والتجارب.. ومن ردعهم عن العدوان علي المدن والقري في نيابة غزة، وهكذا برز دور قبيلة "العايد" كمدافعة عن استقرار الحكومة ومصالحها. بعد أن كانت من ألد أعدائها، فمن حوادث العيايدة في مطلع استيلاء العثمانيين علي البلاد، غارتهم علي مصر بالتواطؤ مع عرب السوالم عام 1518م، إلا أن نائب العثمانيين علي مصر، تمكن من وقف غارتهم هذه، بعد أن قتل جماعة من رؤسائهم، وأسر الكثير من رجالهم ونسائهم، ونهب ما لديهم من أموال ومواش.
وثمة شواهد يستفاد منها أن دور العيايدة في الدفاع عن مصالح الحكومة لم يتوار، بل كان يخف حينا ويشتد حينا، ففي عام 1623م، حينما كان يحكم "سن باشا رضوان" نيابة غزة، احتشدت في مدينة "يافا" التابعة لنيابة "غزة" القوات العسكرية لكل من الأمير حسن باشا رضوان نائب غزة، والأمير أحمد طراباي الحارثي أمير نيابة صفدو اللجون، والأمير محمد بن فروج أمير نابلس وحلفائهم من فرسان عرب العايد وعرب السوالمة من عربان نيابة غزة، للتصدي لقوات الأمير فخر الدين المعني، المدعوم من فرنسا وإيطاليا، وقد كان لهؤلاء العربان دورهم البارز في إيقاع قوات الأمير المعني في مصيدة كبدت قواته خسائراً فادحة.
وقد حدث قبل هذه الواقعة بعام، أن دارت حرب بين فخر الدين المعني أمير لبنان وأمير صفد واللجون أحمد طراباي الحارثي، ومما ساعد علي انتصار الحارثي، النجدة التي وصلته بقيادة حسن باشا رضوان. والمؤلفة من عرب العايد وعرب عنزة أومعازة.
حراس القوافل والحجيج
ويمكن إجمال التطور الذي طرأ في هذا الموضوع فيما ننقله عن "الدكتور عباس عمار" فالمستفاد مما جاء في كتابه، أن الحمداني والكتب التي اعتمد عليها في توزيع منازل العرب ومساكنهم، تشير إلي أن عرب العايد، كانت مساكنها بين بلبيس والعقبة، تتولي فيها دركات طريق الحج، حتي يتسلمها منها عرب "بني عقبة" الذين كانوا يتولون دركاته بين العقبة والدام في شمال الحجاز.
ويذكر "عمار" في سياق ذلك، أنه مادامت الكتابات منذ القرن الرابع عشر للميلاد، تشير إلي حقهم هذا، فهم إذن أول القبائل العربية التي تولت حراسة طريق الحج، الذي ترجع أهميته في وسط سيناء إلي ما يقرب ذلك التاريخ.
ومن الحقائق المتواترة، أن "بني عقبة" وإليهم نسب "بنو عطية" الذين أكثروا الغارة علي الجزء القريب منهم من درب الحج في دركات العايد، فاستولوا منها علي الجزء الذي حول العقبة، وفيه نقب العقبة نفسه، مدفوع إلي هذا بالأرباح الطائلة التي كان يجنيها البدو من الحجاج.
ولما لم يستطع أمير العيايدة أن يدفع شرهم، وكل إليهم أمر ذلك الجزء من الطريق، وأعطاهم في نظير ذلك جعلا من المال يدفع إليهم في كل عام.
والظاهر أن عرب العايد لم يكونوا يتخذون شبه جزيرة سيناء مساكن لهم، بل كانوا يقومون بأعمال نقل الحجاج وحراستهم فقط، وكانت مساكنهم الحقيقية في شرقي الدلتا من أرض وادي النيل، فلما فقدت سيناء أهميتها كطريق لمرور الحجاج، فضل العيايدة أن يستوطنوا وادي النيل علي أن يسكنوا المناطق المجدبة في سيناء.
واستنادا إلي "نعوم شقير" في كتابه ـ تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها ـ أن العيايدة قد استوطنوا بلاد الطور مدة، ثم رحلوا عنها بسبب القحط في الأرجح إلي مصر، فسكنوا محافظة الشرقية وغربي بلاد العريش، ومن الأقوال المأثورة عنهم، إنهم قالوا عند ارتحالهم من بلاد الطور: "تركنا الشر في خشيم الطر"، ولنضف رأيا آخر، ولا نخشي الآراء، ذلك أن "الدكتور صبري العدل" يري في كتابه ـ سيناء في التاريخ الحديث ـ أنه قد عهدت الحكومة المصرية لقبيلة "العايد" حراسة المحمل من القاهرة حتي العقبة، فكان عليهم تقديم الإبل اللازمة للمحمل، ولكن بعد افتتاح "قناة السويس" اضطرت هذه القبيلة إلي ترك البادية، فاستقر أفرادها في بلبيس، فانتقل التزام حراسة المحمل إلي عرب الشرقية والقليوبية بالتناوب.
لكن ذلك ـ علي رأي عمار ـ لا يمنع من أن تكون أفخاذ من العايد. قد ظل لها بعض أملاك في نواحي سيناء المختلفة، تضاءلت شيئاً فشيئاً أمام قوة القبائل الأخري.
دورهم البارز في القضاء العشائري
ومن فحوي ما تقدم، يتضح لنا مدي ما كانت عليه قبيلة "العايد" من مناعة الجانب وبعد المنتجع، ومن الشواهد التي فيها دلالة علي ما كان لها من مكانة وجاه، ما ورد من ذكرها في كتاب الأم ـ المحفوظ الآن في دير سيناء ـ أن لهم الإشراف علي قبائل الصورة، والاتفاقية المشهورة بـ (الشورة) المعقودة بين رهبان الدير في عهد "الأسقف كير يواصف" وبين مشايخ الصوالح وأولاد سعيد والعليقات، بشأن تأجير الإبل وتأمين الطرق ونحوها، عقدت في منزل شيخ العرب "منصور العايدي" في البرقوقية (العباسية) الآن سنة 1643م، وفي الكتاب السالف ذكره أيضاً محاضر التحقيق التي أدارها الشيخ منصور عن الحروب بين الصوالحة والعليقات والنفيعات.
وفي سياق حديثه عن القضاء العشائري في سيناء، يذكر "شقير" أنه ليس في سيناء كلها إلا مبشع واحد هو الشيخ (عامر عياد) من قبيلة العايد، أخذها عن أبيه عياد وعمه عويمر، وقد رآه عام 1906 في رفح، والمبشع هو قاضي الجرائم المنكورة التي لا شهود لها، وذلك باختبار المتهم بالنار أو الماء أو الرؤيا.
العيايدة في مواجهة نابليون
لم نعثر فيما اطلعنا عليه من مصادر علي شيء ذي بال عن الوقائع والأحداث التي جرت بين العيايدة والفرنسيين إبان حملتهم علي مصر، ولكن ما توافر لدينا من معلومات ـ علي ندرتها ـ يعطينا فكرة، عن أن العايد قبيلة قوية ذات بأس لا ترضي بالضيم، ونذكر من تلك الوقائع أنه في أكتوبر عام 1718، خرج فرسان قبيلة العايد بمحافظة الشرقية إلي ساحة القتال، وهاجموا كتيبة الفرنسيين التي كان يقودها الجنرال (رينيه)، وظلت المقاومة مستمرة إلي آخر العام، مما جعل نابليون يضطر إلي القبض علي المجاهد (عبدالرحمن أباظة) وهو أخ شيخ العرب سليمان أباظة شيخ العيايدة، ونستطيع أن نجد مصداقاً لذلك في كتاب الجبرتي ـ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ـ فقد ذكر في سياق أحداث سنة 1213هـ، أنه في 28 من شهر رجب، حضر "ساري عسكر" نابليون من ناحية (بلبيس) إلي مصر ليلاً وأحضر معه عدة عربان وعبدالرحمن أباظة، أخا سليمان أباظة شيخ العيايدة، وفي شهر شعبان ذهبت طائفة من العسكر، وضربوا عرب العيايدة ناحية (الخانكة) وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم، ووجدوا من منهوبات عسكر الفرنساوية وأسلحتهم جملة، فأخذوا ذلك مع ما أخذوه، وأحضروا معهم بعض رجال ونساء وحبسوهم بالقلعة.
محمد علي والعصر الذهبي للعيايدة
اعتماداً علي نظرية "فرق تسد" لم يأل محمد علي باشا جهداً في سبيل بث الفرقة بين القبائل العربية في مصر، بغية الحفاظ علي عرشه، وقد أتيحت له الفرصة عندما قوي الخلاف بين قبيلتي (الحويطات والعيايدة) في سبتمبر 1806، ودار القتال بين الفريقين خارج أسوار القاهرة وحولها، وانتصر محمد علي باشا للحويطات، ثم اجتمع مشايخ القبيلتين عند نقيب الأشراف عمر مكرم، الذي أصلح بينهم.
والذي نستطيع أن نخلص إليه أن محمد علي قد أقدم علي فعلته هذه بغية انفضاض الحويطات، ومعها قبائل الشرقية من حول "محمد بك الألفي" منافسه الأخطر علي عرش مصر، وهكذا صمم الباشا علي إحباط التعاون بين الألفي وقبائل العربان المعاونة له، والتي من أهمها (أولاد علي والهنادي والعايد والحويطات والهوارة) فسير قواته لتحقيق ذلك الهدف، وتتابعت الحملات التأديبية في الشرقية والبحيرة والفيوم والأقاليم الوسطي، وخلال أزمة النقل إلي "سالونيك" أراد الألفي استثارة هؤلاء ضد محمد علي، فبعث إلي مشايخ العايد والحويطات، غير أنهم آثروا إطلاع الباشا علي مراسلات الألفي لهم، وكان ذلك تداعيات نجاح الباشا في استمالتهم إلي صفه، وبداية هدنة بين محمد علي والعيايدة، لم تقتصر علي عهد محمد علي فحسب، بل استمرت طوال عهود خلفائه.
وقد يكون من المناسب هنا توضيح جانب مهم، فحواه أن "محمد علي باشا" كان أول شخص في الأزمنة الحديثة، يسمح للقبائل العربية المتجولة بزراعة الأرض الخصبة، اعتقاداً منه أنه إذا أعطي لهم تلك الأرض يزرعونها، فإن ذلك يحملهم علي الاستقرار لمباشرتها، فتتحسن حالتهم الاقتصادية من جهة، ويكفون عن شن غاراتهم علي القري من جهة ثانية، وفوق هذا وذاك فإن هذا من شأنه أن ينمي من ثروة البلاد الزراعية، ولقد سجل التاريخ للعيايدة نشاطاً وبروزاً في الاستعداد للتحضر والاستقرار والتعلق بالحرث والزرع، والتوسع في المنازل والمحارث والمزارع، ونستطيع أن نجد مصداقاً لذلك، فيما ذكره "الدكتور نبيل صبحي حنا" في كتابه المجتمعات الصحراوية في الوطن العربي بقوله: وقد تمكن بعض العربان الذين استقروا في محافظات مصر من تكوين قري جديدة، وعلي سبيل المثال، فإن كثيراً من مشايخ قبيلة العايد، قد شيدوا قري جديدة واستقروا بها مع أسرهم وتوابعهم، فقد شيد "إبراهيم العايدي" كفر إبراهيم، وشيد اثنان من الأباظية قري أخري، ونحن نستطيع أن نتوسع في هذه القائمة ونزيدها طويلاً، ولكننا أجلنا ذلك إلي موضع آخر، وحسبنا القول بأن هذا قد أدي إلي أن يصبح كثير من مشايخ العيايدة من كبار ملاك الأراضي والعزب.
الأباظية .. خير خلف لخير سلف
المستفاد مما جاء في كتاب ـ شقير ـ أن العايد الآن فريقان، فريق يرجع بنسبه إلي "إبراهيم العايدي" وفريق ثان، إلي "حسن أباظة" ومن هذا الفريق أسرة (أباظة) المشهورة، ويستدعي هذا الموضوع بعض التفسير، إذ يبدو لنا من خلال كلام "الجبرتي" في سياق حديثه عن أسر قوات نابليون لعبدالرحمن أباظة، وهو أخ شيخ العرب سليمان أباظة شيخ العيايدة، أن هذه الأسرة تعود بوجودها إلي عهد أسبق من عهد محمد علي باشا، ولم نعثر فيما اطلعنا عليه من مصادر تاريخية علي شيء ذي بال عن الأم الأولي لهذه الأسرة، وعند هذا الحد نجد العون في ذاكرة شيوخ الأباظية، الذين يرون أن العائلة قد اكتسبت هذا اللقب من جنسية أمهم الأولي التي كانت من إقليم أباظيا (أبخازيا) أو "أباد نمل" أي أرض الروح بما يطلق عليها أهلها، وتذكر ـ دائرة المعارف الإسلامية ـ أن الأبخاز أمة صغيرة في غربي القوقاز علي البحر الأسود، وقد ذكر الأبخاز في القرون الأولي للإمبراطورية الرومانية، حيث دخلوا في إطار ممتلكاتها، وقد أصبحت المسيحية هي ديانة أهلها الرسمية عام 533م، وقد تم افتتاحها علي أيدي المسلمين إبان افتتاحهم لأرمينية، وقد تداول علي حكمها العرب والخرز والفرس والأتراك، وتلا ذلك ما عرف بالعصر الجورجي، والذي استمر من القرن الحادي عشر إلي القرن الثالث عشر للميلاد، حتي غزاها المغول عام 1236، وظلت بيد المغول حتي منتصف القرن السادس عشر، حيث غدت مثار تنافس بين الدولتين العثمانية والصفوية، وقد خلصت في نهاية الأمر للعثمانيين، الذين نشروا الإسلام في ربوعها.
واستناداً إلي ذاكرة شيوخ الأباظية، فإن محمد العايدي قد اشتهر بكونه رجلاً مزواجاً، ومن بين من وقعت عينه عليهن واحدة من المماليك الأباظية، نسبة إلي البلد التي يأتون منها وهي "أبخازيا" ومما يتوارد علي الألسن، أنه أعجب بشخصيتها وجمالها، فلم يتركها لتعيش بين باقي نسائه في كفر العايد، فبني لها بيتاً علي بعد 3كم من كفر العايد، الذي كانت تقطنه القبيلة في الشرقية، وقد ميزها كثيراً عن باقي نسائه، للدرجة التي دفعت باقي أبنائه لأن يطلقوا علي أبنائه منها "أبناء الأباظية" وقد تعلموا التركية والعربية، وكان ذلك في القرن الثامن عشر.
العصر الذهبي للأباظية
بالإضافة إلي ما مر ذكره من مهادنة محمد علي للعيايدة، وجعلهم في دائرة مخططاته لتوطين القبائل العربية في مصر، فقد ساهموا في حملته علي الجزيرة العربية، إذ قدموا له الخيل ودربوا الجند علي طريقة الفر والكر المعهودة عند الوهابيين، وكانوا في ذلك العهد أيضاً يقومون بخفارة الدروب وطرق القوافل، ويحملون البريد والمعدات، وكانوا خبراء في معرفة الطرق والمسالك والدروب، ومن ثم تنامت خطوتهم لدي محمد علي، وبالأخص أقوي بطونهم وهو البطن الأباظي، وأقرب الاحتمالات في ظننا أن نقول، إن نسب الأباظية من جهة الأم، قد كان بالإضافة إلي ما أسلفنا ذكره، علاقة بخطوة الأباظية لدي محمد علي باشا ونجله إبراهيم باشا وخلفائهما، ولم يعكر صفوة هذه الخطوة إلا قيام ثورة عرابي عام 1882، حيث اندفع العيايدة وانضموا إلي الثوار، وذلك لميلهم بسليقتهم للعزة، فقاتلوا في كفر الدوار وعند القتال في التل الكبير.
ومن الحقائق التاريخية المتواترة، أنه في 18 سبتمبر قابل "شريف باشا" في وزارة الداخلية وفد من وجوه البلاد وأعيانهم، وعلي رأسهم محمد سلطان باشا، وسليمان باشا أباظة، وقدموا له التماسين، موقعاً علي كل منهما 1600 من عمد البلاد ووجوهها، بمثابة ضمانة لتعهدات ضباط الجيش، وبعد وصول "أحمد عرابي" إلي رأس الوادي، بدأ العمد والأعيان الاحتفال به ودعوته إلي الولائم، فقد دعاه كل من أحمد والسيد أباظة بناحية شرويدة.
وعود إلي ما بدأنا به موضوعنا هذا، ففي عهد "محمد علي باشا" أحب أن يمثل العرب في "المجلس العالي" فاختار اثنين من الأباظية هما بغدادي عبدالرحمن أباظة وشقيقه حسن عبدالرحمن أباظة عضوين فيه، وقد استمر هذا المجلس ثلاث عشرة سنة من 1824ـ 1837م.
وكان بغدادي من كبار حائزي الأراضي في الشرقية، فعند وفاته 8481م، كانت ممتلكاته من الأراضي قد وصلت حوالي أربعة آلاف فدان، وكان قد عين عام 1812 شيخا لمشايخ نصف الشرقية من قبل إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا، كما تولي أيضا مهمة رئيس الخيالة. وفي نفس الوقت تم توجيه وظيفة نظارة العربان في الأقاليم الوسطي لعهدته.
وبناء علي ذلك وتخريجا عليه، اعتبر البعض حسن أباظة المؤسس الحديث للأسرة الأباظية، وقد أنجب ولدين أولهما سيد باشا أباظة وثانيهما سليمان باشا أباظة.
وقد أصبح سيد أباظة رجلا عظيم الشأن، تقلد أعظم المناصب في عهد محمد علي باشا وابنه إبراهيم، وكانت في ذلك الوقت محصورة علي الأتراك، واستنادا إلي الدكتور عبد الله غرباوي في كتابه ـ عمد ومشايخ القري ودورهم في المجتمع المصري ـ والدكتورة إيمان محمد عبد المنعم في كتابها ـ العربان ودورهم في المجتمع المصري ـ أنه شغل منصب مأمور قسم العايد في عهد محمد علي ـ كما كان وكيلا لتفتيش عموم الأقاليم، وشغل السيد فيما بعد منصب مدير مديرية البحيرة في عهد الخديوي سعيد، وأنشأ السيد أباظة مدرسة لتعليم الأولاد بقرية شرويدة، فكانت النواة الأولي للمعرفة في القرية في ذلك الحين، كما أنشأ مسجدا في نفس القرية، وقد قدرت ملكيته بعد وفاته عام 1876 بستة آلاف فدان في نحو خمس عشرة قرية.
أما الابن الثاني لحسن وهو سليمان باشا، فكان مديرا للقليوبية ثم الشرقية وفي عام 1882 أصبح ناظرا للمعارف في نظارة إسماعيل راغب باشا، كما كان وكيلا لأول برلمان منتخب، وكان في حيازته حوالي ألفي فدان في مديرية الشرقية، حيث شيد مضخات للري ومحالج للقطن، وأسهم بماله في بناء المحكمة الجزئية في ناحية منيا القمح عام 1884 ومما لا ينبغي إغفاله في هذا المقام أن هناك مكاتبات تحمل اسم حسن أباظة كمدير للبحيرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وربما يكون حامل الاسم ابنا لحسن السالف ذكره، أو أحد أبناء عمومته.
ونحن وإن نتعرض لشيء طفيف من التكرار لاتخاذنا الوضوح التام رائدا لنا، نذكر بأنه منذ ذلك الحين، وخلال القرن التاسع عشر، نجد أن الكثيرين من كبار مشايخ العيايدة وفي مقدمتهم الفرع الأباظي، قد شيدوا قري جديدة واستقروا بها مع أسرهم وتوابعهم، فالشيخ إبراهيم العايدي الذي توفي عام 1836م قد شيد كفر إبراهيم، كما أن اثنين من الأباظية هما بغدادي المتوفي عام 1858 وحسين بك عبد الرحمن المتوفي عام 1865، قد أسهما في إنشاء القري الجديدة.
ونحن نستطيع أن نتوسع في هذه القائمة ونزيدها طولا، ذلك أنه في عهد الخديو إسماعيل عين أحمد أفندي أباظة عضوا في أول مجلس شوري النواب سنة 1866 عن الشرقية، وأصبح وكيلا لمديرية البحيرة، وقد مثل الأباظية في الدور الثالث لهذا المجلس عام 1871 محمد أفندي أباظة عمدة كفر أباظة حينذاك.
ومن الأباظية الذين أسهم في إنشاء المدارس محمد بك عثمان أباظة، فقد أنشأ مدرسة في قرية الربعماية في مركز منيا القمح بالشرقية، وأنفق في سبيل تأسيسها مبالغ طائلة، وافتتحها باحتفال ضخم حضره جمع غفير من رجال العلم والأدب.
بقية أحداث العيايدة في القرن التاسع عشر
علي الرغم من تعدد ترحال العيايدة من شبه جزيرة سيناء إلي محافظة الشرقية وغيرها، فإنهم قد بقي يقطن في سيناء بقية لا بأس بها منهم، وكانت الحكومة المصرية قد عهدت لهم تقديم الإبل اللازمة للمحمل، بالإضافة إلي نقل بعض البضائع، وقد كان افتتاح قناة السويس عام 1869 بمثابة نقطة تحول في تاريخ سيناء، حيث باتت القناة بمثابة حاجز مائي ساعد علي عزل مجتمع سيناء عن بقية سكان الوادي، كما ساعد أيضا علي قطع مورد رزقهم الأساسي، الذي كان يأتي من نقل التجارة بين مصر والشام، حيث بات من الصعب علي تلك الفئة المشتغلة بنقل التجارة الاستمرار في نقل البضائع بحرية، مما اضطر جماعات من العيايدة إلي ترك البادية واللجوء إلي أبناء قبيلتهم في محافظة الشرقية، وحتي بعد هذا الرحيل، قد بقي لهذه القبيلة وجود في سيناء، وليس أدل علي ذلك من أنه لما توسع الترابين في سيناء، ما لبث أن وقع بينهم وبين العيايدة خلاف علي الحد، أدي إلي الحرب، وكان حسيب الترابين إذ ذاك سليم بن فياض وحسيب العيايدة صباح بن سبيح فدامت الحرب سنوات إلي أن عين الحد.
وجدير بنا أن نذكر في هذا المعرض، أن إبل ودوب أهل سيناء، كانت تتعرض للسلب من قبل القوات المتحاربة إبان الحرب الكونية الأولي، فخلال معارك فبراير 1915، كان قطيع من إبل العيايدة يجول بالقرب من ساحة المعارك شرق قناة السويس بحثا عن المراعي وتمكن عدد من جنود السواري الهنود من الإمساك بعدد منها، وأحضروا القطيع إلي محطة سرابيوم، لكن حاكم سيناء لم يشأ أن يضغط علي القبيلة للحصول علي هذه الإبل، حيث كان الهنود يعتقدون أنهم قبضوا علي جمال برية لها مالك، كما حدث الأمر نفسه مع جمال العيايدة، لكن مع القوات الاسترالية في عام 1916، حيث قبضوا علي قطيع مكون من مائة جمل، معتقدين أنها بلا مالك.
العيايدة في فلسطين والأردن
المستفاد مما جاء في كتاب ـ العرب والعروبة ـ للأستاذ محمد عزة دروزة أن بني العزة. من الأسر الإقطاعية المهمة في جبل الخليل وأن عمر الصالح البرغوثي قد ذكرهم في كتابه تاريخ فلسطين وقال: إن مركزهم قرية بيت جبرين إحدي قري جبل الخليل المهمة، وقد ذكر البرغوثي في المذكرات التي بعثها لدروزة، أن أصلهم من كفر عزة في مديرية الشرقية بمصر، وأن إقطاعهم في جبل الخليل، هو الناحية التي كان مشايخها الدعاجنة فغلبوهم عليها حتي صارت تعرف باسمهم فيقال ناحية العزي.
وقد قال عباس العزاوي في كتابه ـ عشائر العراق ـ في سياق ذكر قبيلة العزة، وفروعها في العراق، أن بني العزة في فلسطين هم من هذه القبيلة ـ والمؤلف هو من هذه القبيلة ـ وقد بدا لنا شيء من التناقض بين ما قاله هذا المؤلف، وما ذكره البرغوثي من كون أصلهم من كفر عزة بمصر ورجعنا إلي الأستاذ سعيد العزة نائب مدينة الخليل في المجلس النيابي الأردني، ومن نابهي رجال فلسطين، فوفق بين القولين، حيث قال: إن هذه القبيلة توزعت منذ الحكم العباسي بين العراق ومصر، بسبب اضطهاد العباسيين لهما لتشيعها للأمويين.
ولاسيما أن الزعيم العربي المعروف روح بن زنباع الذي اشتهر في عهد عبد الملك بن مروان منها وأن الذين نزحوا إلي مصر، استوطنوا في مديرية الشرقية، وعرفوا باسم قبيلة العايد التي تنسب إليها أسرة الأباظيين، وأن من هؤلاء فريق نزح إلي فلسطين، واستقروا في منطقة جبل الخليل، وأنه برز من رجالهم أكثر زعيم منهم عبد العزيز العزة الذي تمكن بدهائه من الاستيلاء علي قسم كبير من منطقة جبل الخليل وبعض قري غزة وحكمها، ومنهم مصلح العزة الذي أسس شبه إمارة في هذه المنطقة، ومنهم محمد العزة الذي كان من جملة قواد الثورة ضد حملة إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا، والذي تمكن من القبض عليه، وقطع رأسه في النهاية.
وواضح مما تقدم أنه كان لهذه الأسرة بروز وشأن ونشاط في مجال الزعامة الإقطاعية والحركات الحزبية المحلية في جبل الخليل، مستمد من عصبية قبلية وشخصية قوية، ومازال أبناؤها يحتفظون بشيء من ذلك.
وممن ذكر هذه الزعامة نعمان القساطلي في رحلته المسماة ـ الروضة النعمانية في سياحة فلسطين وبعض المدن الشامية ـ فوصف مقاطعتها بأنها من المقاطعات الشهيرة في قوة رجالها ومقدرتهم، وآخر من اشتهر من رجالها مصلح العزة الذي خضع للعثمانيين، وتخضع لها القري التالية: القبية ـ دير نحاس ـ كدنه ـ رعنه ـ عجور ـ تل الصافي ـ دير الدبان ـ زيتا ـ زكزين ـ البردان، لكن الخلاف العائلي علي الزعامة مزق آل العزة من الداخل، فاتاح للدولة العثمانية أن تتدخل في شئونهم وتضعفهم في النهاية.
وفي المصادر التي اطلعنا عليها نبذ كثيرة عن وجود العيايدة في فلسطين، حيث نجد العبيات والمناصرة من العيايدة في كل من بيت لحم والخليل ونابلس، وفي غزة أولاد سليم أبو عودة ولهذه الفرع امتداد في مصر في العريش ووادي الملاك وأبو صوير، ومن الفروع الموجودة في مصر ولها امتداد في فلسطين الطوايلة وآل جربو، والفرع الأخير يتكون من ست أفخاذ (العشيبات والرواضين والغنيوات والمصابحة والفريحات والعواودة) والعشيبات والغنيمات ارتحلوا إثر النكبة عام 1948 إلي الأردن.
والمصابحة أو الصبيحات لهم وجود في الضفة الغربية، ومنهم سمير صبيحات وكان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، كما تقلد منصب رئاسة الاتحاد العام لطلبة فلسطين إبان الانتفاضة الأولي.
وفي الأردن عشيرة الشريفات من العيايدة في مأدبا، وفي الأردن أيضا عشيرة العتايقة من العيايدة وعشيرتي الرحيلات والغريبات من العيايدة، وكانوا من أحلاف نمر بن عدوان.
واستنادا إلي مصطفي مراد الدباغ في كتابه ـ بلادنا فلسطين ـ أن عائلة هيكل الشهيرة في مدينة يافا من قبيلة العايد، ومن مشاهيرها فخر فلسطين الدكتور يوسف هيكل، الذي أتم تعليمه العالي في فرنسا وبريطانيا، وحصل علي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وقد منحته جامعة لندن عام 1937 ميدالية التفوق، فكان الشرقي الوحيد الذي نال هذه الميدالية حتي ذلك التاريخ، وشغل عدة مناصب في فلسطين في دوائر المجلس الإسلامي الأعلي، وفي القضاء ، وعين رئيسا لبلدية يافا سنة 1945.
العيايدة في الديار السعودية
لا مناص لنا في هذا الصدد من الاعتماد علي الإشارات المتفرقة والشذرات المتناثرة، ومنها أن الحميدات أو آل الحميدي، يقطنون في شمال غرب السعودية، وأن الزوايدة من قبيلة العايد،، كانوا في الديار السعودية، وجزء منهم الآن يعيش في الأنهار في العراق، وأن أولاد حسين من قبيلة العايد، من العائلات الموجودة في المدينة المنورة ومنطقة تبوك.
وفي الديار السعودية أيضا آل سنحان وآل سعد، وآل سودان وآل جمل، وآل محمد، وآل سلطان، وآل جربوع، وآل جوعل من العيايدة، ومازال هناك فروع من العيايدة متفرقون ومتحالفين مع قبائل أخري موجودة في الكثير من البلاد العربية، وكانت ديرتهم الأصلية منطقة (تثليث) جنوب المملكة العربية السعودية، ونزحوا من هذه المنطقة، وساروا إلي جه في شمالي المملكة، وبقوا في هذه المنطقة حتي وقعت حروب في المنطقة فتفرقوا، ومنهم مازال موجودا في منطقة الوجه، وينبع وحقل وتيماء.
وهناك في اليمن في مدينة شبوه، منطقة تسمي عياد، وهي منطقة بترولية وأثرية، وهي منطقة عيايدة اليمن، الذين نزحوا منها إلي باقي اليمن.
الأباظية في السودان
ومعلوماتنا في هذا الصدد مستمدة من النسابة السوداني، عثمان حمد الله، فالمستفاد مما جاء في كتابه - دليل المعارف - أن أسرة أباظة في مصر والسودان من جد واحد هو خليل أباظة، وله ذرية في أسوان وسره وأبو سنبل وأرمينية، وكان من العلماء الكبار في أبو سنبل الشيخ محمد إسحاق أباظة، ويوجد الأباظيون أيضا في بلانة وحلفا، ومما يتوارد علي الألسن أن خليل أباظة هو الجد الرابع لأولاد بدير الأباظيين، الذين كانوا بأبوسنبل، وقد تصاهروا وتزاوجوا مع الأتراك والنوبيين، ومن الأباظيين في بلانة أولاد سليمان أباظة دهب، ومحيي الدين وعبدالمجيد أباظة، وسيد أحمد آدم أباظة، وسليمان صالح أباظة، وحسن دهب سليمان أباظة، ومن أخوته شعبان دهب أباظة، ومحمد دهب أباظة، وكان الأستاذ فؤاد أباظة مدير الجمعية الزراعية الذي زار السودان، قد اتصل بهم هناك، وأقر بصحة نسبهم إلي أباظية مصر.
الأباظية في القرن العشرين
يقول العقاد في سياق ما كتبه في تأبين إبراهيم دسوق أباظة، حب الأدب وراثة في الأسرة الأباظية، كما تمتلئ دورهم بالكتب والدواوين، كما تمتلئ بالكتاب والشعراء، وهم أنفسهم يكتبون وينظمون ولا يخلو جيل من أجيالهم من كاتب أو شاعر أو رواية وأديب، كان عميدهم في عصره، سليمان أباظة، يصوغ الشعر السهل، و يحول النثر الجزل، ويكتب الرسائل علي النسق البديعي، فلا يفوقه كاتب رسالة في عصره، وكان من شيوخ هذا البيت الذين اشتركوا في حركة هذا الجيل، كاتب خطيب يكتب إلي الصحف، ويخطب في مجالس عصره النيابية فيتردد كلامه علي الألسنة، ويتحدث به القراء في أنحاء القطر كله، وهو إسماعيل أباظة باشا، واتصلت هذه الوراثة في غير فجوة بين الشيوخ والشبان، فلاتزال تلقي من أبناء هذا البيت العريق فتي ناشئا وكهلا ناضجا وشيخا وقورا، يحدثونك علي ولع بالدرس، وتوسع في الاطلاع، ولا أذكر أنني لقيت في البرلمان شيخه القاضي الأديب جمال الدين أباظة، وسمعت منه حديثا في غير الأدب واللغة، أو طرائف المفردات والتعبيرات، كلما استرحنا من حديث القوانين وما إليها.
ومن شيوخ هذا البيت العريق الذين عاشوا لأمتهم ولوطنهم، إبراهيم الدسوقي أباظة، ولد بكفر أباظة في الشرقية عام 1882، وتخرج في مدرسة الحقوق ليعمل في المحاماه، ثم عين للضبط بمديرية الجيزة عندما اشتعلت ثورة عام1919، وله موقف وطني مشرق إزاء الفضائح التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإنجليزي وقتئذ في بلدتي العزيزية و البدرشين، ولما تألف حزب الأحرار الدستوريين انتخب سكرتيرا مساعدا ثم سكرتيرا عاما، وكان عضوا في مجلس النواب بمصر أكثر من مرة، وتولي الوزارة خمس مرات، فكان وزيرا للشئون الاجتماعية، فوزيرا للمواصلات، فالأوقاف فالخارجية، وكان منذ صباه قد جال بقلمه في الصحف جولات في الأدب، ونشر مقالات سياسية تنادي بحرية واستقلال بلاده، وله جولات ومو اقف وطنية خالصة في مجلس النواب، وتوفي عام 1953.
ومن حلقات هذه السلسلة الذهبية فكري أباظة باشا، من مواليد عام 1896، وقد انضم للحزب الوطني، وأصبح عضو مجلس النواب عام 1923، وعمل صحفيا بجريدة المؤيد فالأهرام فالمصور، التي تولي رئاسة تحريرها عام 1926، ثم انتخب نقيبا للصحفيين عام 1945 وظل نقيبا لها حتي عام 1952، ثم أصبح عضوا في المجلس الأعلي لدار الكتب، ورئيسا فخريا للنادي الأهلي المصري، وكانت وفاته 1979، ثم يأتي دور عزيز أباظة باشا، الذي تخرج في الحقوق عام 1923، فعمل بالمحاماة فالنيابة، ثم أصبح عضوا بمجلس النواب، وعمل مديرا للغرفة التجارية ثم مفتشا للداخلية فوكيلا لمديرية البحيرة فمديرا لمديريات القليوبية والفيوم والمنيا والبحيرة، فمحافظا للقناة، ومديرا لأسيوط، ثم اعتزل خدمة الحكومة وأصبح عضوا بمجلس النواب ثم عضوا بمجلس الشيوخ.
ومما لا ينبغي إغفاله من أبناء هذه العائلة العريقة وجيه أباظة، عسكري وقيادي من مواليد 1917، تخرج في كلية الطيران، وأصبح ضابطا في القوات الجوية، ثم عمل بجهاز المخابرات المصرية في العهد الملكي، وقاد عملية نوعية للاستيلاء علي أسلحة الجيش البريطاني في قناة لتزويد الجيش المصري بها أثناء قتاله مع العدو الإسرائيلي في حرب 1948، وقاد العمليات الفدائية المصرية ضد الإنجليز بين عامي 1950- 1952 وفي 23 يوليو من هذا العام عهدت إليه قيادة المطار، وقد عمل محافظا للبحيرة فالغربية ثم القاهرة توفي عام 1994.
ومن أعلام الأباظيين الأديب ثروت أباظة، الذي فاز بجائزة الدولة التشيجيعة عن رواية "هارب من الأيام"، وشغل عدة مناصب رسمية آخرها وكيل مجلس الشوري، ومنها المهندس ماهر أباظة، وزير الطاقة والكهرباء الأسبق وعضو مجلس الشعب، والوزير أمين أباظة وزير الزراعة، ومحمود أباظة رئيس حزب الوفد السابق، والحاج عبدالواحد أباظة والحاج أحمد أباظة والحاج حسن أباظة، والحاج محمد كمال الشهير بسعيد أباظة، والمستشار إبراهيم أباظة، محامي عام البحيرة، وأحمد أباظة، و عبدالسلام أباظة، والمهندس عبدالمنعم أباظة، والمهندس فكري أباظة، والمهندسس حسن أباظة، عضو مجلس الشعب سابقا، والأستاذ الدكتور محمد أباظة، واللواء حمدي أباظة، واللواء نبيل أباظة، والمهندس سعيد أباظة خبير بهيئة البترول، وعبدالمنعم أباظة، وكيل نقابة المحامين بالبحيرة سابقا وغيرهم كثيرون، وهم من الكثرة بحيث يصبح الباحث في حيرة من أمره، لأن الكلام عنهم مما لا يسعه هذا الحيز الضيق، بل يحتاج إلي كتاب كامل، لكن ما ذكرناه يكفي للدلالة علي ما كان لهذه الأسرة من تأثير كبير في الحياة السياسية والثقافية في مصر طوال عهود كثيرة من تاريخها، وحسبنا فيما تبقي لنا من مساحة أن نسرد بعض وقائع ومحاولات العيايدة في سيناء أيام حرب الاستنزاف.
العيايدة في حرب الاستنزاف
نظرا لطبيعة مواطن العيايدة في سيناء علي الخط الساحلي للمجري الملاحي للقناة حتي الجفجافة، فقد كان لهم تعاون ملموس مع رجال المخابرات الحربية قبل عام 1973، ومن ذلك قيام بعض أفراد العيايدة إثر حرب عام 1967 بتجواب الصحراء والوديان علي الجمال، بغية تجميع الجنود المصريين التائهين، وتزويدهم بالغذاء والماء والملابس البدوية، ومن ثم إعادتهم إلي مصر. واستمرت علاقة بعض أفراد العيايدة بالمخابرات الحربية المصرية وبأعضاء منظمة سيناء العربية، ونذكر منهم الشيخ سويلم حماد شحاتة، المسئول عن توزيع احتياجات الخلايا العاملة خلف خطوط العدو الإسرائيلي، ومن أعضاء منظمة سيناء العربية أجود شحاتة عامر، وسالم سلمي، وسليمان عامر، استشهد ثلاثتهم أثناء عودتهم من مأمورية جمع معلومات في عام 1969 ، في منطقة كوبري الفردان، وهم من سكان فايد بقرية السعدية، ومنهم سلامة نصار سلامة، تم استشهاده أثناء حرب أكتوبر عام 1973، أثناء توغله كدليل مع القوات الخاصة خلف خطوط العدو، ومن هؤلاء أيضا نصر سليم مسلم، وعيد سليم مسلم من ناحية فايد قرية السعدية، وكانا يعملان أدلاء للقوات الخاصة خلف خطوط العدو أثناء حرب أكتوبر، وقد أسديا عدة خدمات للمخابرات المصرية خلال حرب الاستنزاف من حيث توصيل المعلومات عن قوات العدو للمخابرات المصرية
إ