قال عبد الله خورشيد البري في كتابه القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة :
كانت جذام عصبة من البدو يحتلون الصحاري الواقعة فيما بين الحجاز والشام ومصر وكانوا يرتزقون من ارشاد القوافل التجارية التي تربط ما بين جزيرة العرب والشام ومصر.
وأدى إختلاطهك المستمر بالشام ومصر الى انتشار الأفكار المسيحية بينهم منذ زمن مبكر . وفي السنين الاولى للهجرة نجدهم على رأس المستعربة أو العرب التنصرة حلفاء البيزنطيين . وكانت مسيحيتهم في كل حال سطحية . وكانت علاقتهم الأولى بالإسلام غير ودية على الإطلاق ولكنهم أثبتوا بعد إحراز المسلمين النصر النهائي على البيزنطيين أنهم حلفاء مخلصون للعرب , وساعدوهم مساعدة عظيمة في اكمال فتح الشام وكانت نتيجة ذلك ان عوملوا كمهاجرين .
وجذام من قدماء عربان مصر قدموا مع عمرو بن العاص . وهم يتفقون مع لخم في أمور كثيرة بحكم الصلة القوية بينهما فقد كان نفر منهم معها في خطتها . وكان نفر منهم في اللفيف مثلها .
وكانوا يرتبعون في طرابية وفربيط وهما جزء من مر تبع لخم . وكذلك نزل قوم منهم أكناف صان وابليل وطرابية مع خشين ولخم فلم يحفظوا ويذكر الكندي أن نفرا منهم إختصموا الى عبدالله بن سعد أمير مصر فحولهم الى عثمان بن قيس يقضي بينهم . وقد تحركوا من مصر نحو الغرب فأقام بعضهم في جبلي برقة الشرقي والغربي , كما كان بعضهم يسكن العريش .
ليس لدينا معلومات عن جذام مصر وقت الفتح وطوال القرن الاول أكثر من تلك الصلة القوية القديمة بينها وبين لخم تعطينا الحق في أن نفترض أنها سلكت في نفس الطريق الذي سلكت لخم , ومعنى أنها كانت علوية الهوى , واشتركت في التخلص من عثمان وقاومت الامويين حتى عاد مروان ففتح مصر سنة 65 ه ومن المهم أن نلحظ أن روح بن زنباع زعيم جذام بفلسطين والشام وأحد كبار رجال الدولة الأموية , كان في جيش مروان الذي غزا به مصر وقتذاك . ويبدو أن روحا ً هذا خلف عددا من بنيه بمصر كانوا يؤيدون السياسة الأموية بها .
وكانت الصلة قائمة وقوية بين من في فلسطين ومن بمصر من جذام فلما ثار ابن نعيم الجذامي على مروان الحمار بفلسطين سنة 127ه دعا المصريين الى مشاركتهم وأرسل اليهم رسولا حرضهم على خلع مروان . فلما فشلت حركته اراد الالتجاء الى مصر . ولما ثار ابن ضبعان الجذامي سنة 137ه بفلسطين كذلك يبدو أن الجذاميين بمصر أيدوه فإن العباسيون تتبعوا ذرية روح بن زنباع بمصر حينذاك وأبادوهم , ومنذ أواخر القرن الثاني جعلت جذام تلعب نفس الدور الثوري الفوضوي الذي لعبته لخم في مصر . فظهر منها (190_191ه ) المنذر بن عابس قاطع الطريق وقاد أحدهم ( عثمان بن مستنير ) أهل نتووتمى في ثورتهم على الدولة سنة194ه كما إشترك عثمان هذا في مقاومة الدعوة الى المأمون بمصر سنة 196ه , وحرضوا عبد العزيز الجروي على أن يجرب حظه في السياسة المصرية ووقفوا وراءه في جميع أدواره العنيفة الماكرة التي مثلها على مسرح الحياة في مصر سنة ( 191- 205) كما اشتركوا في الفتن التي ظلت تضطرم في الإسكندرية منذ سنة 196ه حتى ثورة أسفل الأرض الكبرى سنة 216ه ثم عادوا اشتركوا في ثورة يحي الجروي في ثورته سنة 218ه بسبب قطع العطاء عن العرب وبالرغم من الطابع العنيف الذي وسم حياة جذام بمصر , ظهر منها بكر ابن سوادة (ت128ه) وعثمان بن الحكم ( ت163ه) من أئمة مصر المجتهدين .
أما مواليهم فكان اشهرهم ابن سندر الخصى قدم مصر سنة 22ه وأقطعه عمر بن الخطاب أرضا واسعة ودارا .
وعاش من جذام في مصر البطون الأتية :
1- جرى : ويسمون عرب القاطع كذلك , وكانوا يقيمون بالفرما والبقارة والواردة , وظهر منهم بمصر معاوية بن مالك الذي رأس قيسا ً واليمانية في حلفهم ضد الوالي سنة168 ه , ولكن لا شك في أن عبدالعزيز بن الوزير ملك الساحل وذريته هم أهم هذا البطن أن لم يكونوا أهم جذام جميعاً. وقد ظل عبدالعزيز من 191ه حتى 205ه العامل الرئيسي في السياسة المصرية .
وظل ابنه حتى 216ه يواصل سياسة أبيه وثار أخوه يحي بن الوزير على الدولة لما قطع العطاء عن العرب سنة 218ه . ومن العجيب أن ابنه الحسن ابن عبدالعزيز (ت257ه) كان من حفاظ الحديث ونقاده , كما كان من أهل الورع والفقر والعبادة ومن اهم شخصيات جرى عبدالسلام بن أبي الماضي الذي ظل يتزعم ثورات اليمنية من أهل الحوف طوال سنة 214ه .
2- سعد : في جذام خمس سعود , ولسنا نستطيع تحديد من أقام منها بمصر , وإن كان المقريزي يذكر أنها كلها اختلطت بمصر , ولكنه يتحدث عن وقت متأخر .
وفي كل حال شهدت سعد جذام فتح مصر , وكانت ترتبع في بسطة وفربيط وطرابية أي في المرتبع العم للخم وجذام .
وظلت سعد محتفظة ببقائها في مصر منذ الفتح حتى اشتركت في الأدوار التي قامت بها جذام ممثلة في الجرويين , وسجل الشعراء ذلك , وكان ابن غصين السعدي من قواد علي بن عبد العزيز الجروي سنة 210ه .
3- وائل : حضروا الفتح , واختلطوا بمصر , وقد نزل الفرس بناحيتهم , وكانوا يرتبعون مع سعا في مرتباتهم . ويبدو انها اشتركت في فتنة خلع مروان بمصر (127 -128 ه) فقد كان أحدأفرادها ( محمود – أو عمرو – بن سليط ) من رؤسائها ووجوهها . كما كان معروف بين سليط , من رواة القرن الثاني منها .
يأخذ من كلام المؤرخين أن لخما فنيت في جذام بحيث أصبحتا شيئاً واحدا يطلق عليه اسم جذام فقط , والواقع اننا نلحظ في مصر الإشتراك التام بين القبيلتين وكن في صورة عكسية تستقل فيها لخم بالكثرة والسيطرة والزعامة مع ملاحظةأن هذا الإشتراك لم يلغ شخصية أي منهما الى الحد الذي تفي عنده في صاحبتها , ويذكر المؤرخون كذلك أن القبيلتين قد كانتا في صف معاوية بما هما من قبائل الشام , وفي مصر لا يستقيم هذا القول على علاته . فقد رأينا أن لخما ظلت علوية الهوى حتى مجيء مروان في الأقل . ثم رأينا القبيلتين كلتيهما تعملان على إسقاط الدولة الأموية وإن كان يبدو أنهما آثرتا الهدوء طوال العهد المرواني ونستطيع الآن بعد معرفتنا لأماكن ارتباع لخم وجذام والمنطقة التي أقام فيها بعضهم اقامة دائمة أن ندرك أنهم كانوا من اهل الحوف , وأنهم هم اليمانية الذين يعنيهم المؤرخون حين يتحدثون عن يمانية أهل الحوف وتحالفهم مع قيس .
انتهى ...
هذا والله أعلم
كانت جذام عصبة من البدو يحتلون الصحاري الواقعة فيما بين الحجاز والشام ومصر وكانوا يرتزقون من ارشاد القوافل التجارية التي تربط ما بين جزيرة العرب والشام ومصر.
وأدى إختلاطهك المستمر بالشام ومصر الى انتشار الأفكار المسيحية بينهم منذ زمن مبكر . وفي السنين الاولى للهجرة نجدهم على رأس المستعربة أو العرب التنصرة حلفاء البيزنطيين . وكانت مسيحيتهم في كل حال سطحية . وكانت علاقتهم الأولى بالإسلام غير ودية على الإطلاق ولكنهم أثبتوا بعد إحراز المسلمين النصر النهائي على البيزنطيين أنهم حلفاء مخلصون للعرب , وساعدوهم مساعدة عظيمة في اكمال فتح الشام وكانت نتيجة ذلك ان عوملوا كمهاجرين .
وجذام من قدماء عربان مصر قدموا مع عمرو بن العاص . وهم يتفقون مع لخم في أمور كثيرة بحكم الصلة القوية بينهما فقد كان نفر منهم معها في خطتها . وكان نفر منهم في اللفيف مثلها .
وكانوا يرتبعون في طرابية وفربيط وهما جزء من مر تبع لخم . وكذلك نزل قوم منهم أكناف صان وابليل وطرابية مع خشين ولخم فلم يحفظوا ويذكر الكندي أن نفرا منهم إختصموا الى عبدالله بن سعد أمير مصر فحولهم الى عثمان بن قيس يقضي بينهم . وقد تحركوا من مصر نحو الغرب فأقام بعضهم في جبلي برقة الشرقي والغربي , كما كان بعضهم يسكن العريش .
ليس لدينا معلومات عن جذام مصر وقت الفتح وطوال القرن الاول أكثر من تلك الصلة القوية القديمة بينها وبين لخم تعطينا الحق في أن نفترض أنها سلكت في نفس الطريق الذي سلكت لخم , ومعنى أنها كانت علوية الهوى , واشتركت في التخلص من عثمان وقاومت الامويين حتى عاد مروان ففتح مصر سنة 65 ه ومن المهم أن نلحظ أن روح بن زنباع زعيم جذام بفلسطين والشام وأحد كبار رجال الدولة الأموية , كان في جيش مروان الذي غزا به مصر وقتذاك . ويبدو أن روحا ً هذا خلف عددا من بنيه بمصر كانوا يؤيدون السياسة الأموية بها .
وكانت الصلة قائمة وقوية بين من في فلسطين ومن بمصر من جذام فلما ثار ابن نعيم الجذامي على مروان الحمار بفلسطين سنة 127ه دعا المصريين الى مشاركتهم وأرسل اليهم رسولا حرضهم على خلع مروان . فلما فشلت حركته اراد الالتجاء الى مصر . ولما ثار ابن ضبعان الجذامي سنة 137ه بفلسطين كذلك يبدو أن الجذاميين بمصر أيدوه فإن العباسيون تتبعوا ذرية روح بن زنباع بمصر حينذاك وأبادوهم , ومنذ أواخر القرن الثاني جعلت جذام تلعب نفس الدور الثوري الفوضوي الذي لعبته لخم في مصر . فظهر منها (190_191ه ) المنذر بن عابس قاطع الطريق وقاد أحدهم ( عثمان بن مستنير ) أهل نتووتمى في ثورتهم على الدولة سنة194ه كما إشترك عثمان هذا في مقاومة الدعوة الى المأمون بمصر سنة 196ه , وحرضوا عبد العزيز الجروي على أن يجرب حظه في السياسة المصرية ووقفوا وراءه في جميع أدواره العنيفة الماكرة التي مثلها على مسرح الحياة في مصر سنة ( 191- 205) كما اشتركوا في الفتن التي ظلت تضطرم في الإسكندرية منذ سنة 196ه حتى ثورة أسفل الأرض الكبرى سنة 216ه ثم عادوا اشتركوا في ثورة يحي الجروي في ثورته سنة 218ه بسبب قطع العطاء عن العرب وبالرغم من الطابع العنيف الذي وسم حياة جذام بمصر , ظهر منها بكر ابن سوادة (ت128ه) وعثمان بن الحكم ( ت163ه) من أئمة مصر المجتهدين .
أما مواليهم فكان اشهرهم ابن سندر الخصى قدم مصر سنة 22ه وأقطعه عمر بن الخطاب أرضا واسعة ودارا .
وعاش من جذام في مصر البطون الأتية :
1- جرى : ويسمون عرب القاطع كذلك , وكانوا يقيمون بالفرما والبقارة والواردة , وظهر منهم بمصر معاوية بن مالك الذي رأس قيسا ً واليمانية في حلفهم ضد الوالي سنة168 ه , ولكن لا شك في أن عبدالعزيز بن الوزير ملك الساحل وذريته هم أهم هذا البطن أن لم يكونوا أهم جذام جميعاً. وقد ظل عبدالعزيز من 191ه حتى 205ه العامل الرئيسي في السياسة المصرية .
وظل ابنه حتى 216ه يواصل سياسة أبيه وثار أخوه يحي بن الوزير على الدولة لما قطع العطاء عن العرب سنة 218ه . ومن العجيب أن ابنه الحسن ابن عبدالعزيز (ت257ه) كان من حفاظ الحديث ونقاده , كما كان من أهل الورع والفقر والعبادة ومن اهم شخصيات جرى عبدالسلام بن أبي الماضي الذي ظل يتزعم ثورات اليمنية من أهل الحوف طوال سنة 214ه .
2- سعد : في جذام خمس سعود , ولسنا نستطيع تحديد من أقام منها بمصر , وإن كان المقريزي يذكر أنها كلها اختلطت بمصر , ولكنه يتحدث عن وقت متأخر .
وفي كل حال شهدت سعد جذام فتح مصر , وكانت ترتبع في بسطة وفربيط وطرابية أي في المرتبع العم للخم وجذام .
وظلت سعد محتفظة ببقائها في مصر منذ الفتح حتى اشتركت في الأدوار التي قامت بها جذام ممثلة في الجرويين , وسجل الشعراء ذلك , وكان ابن غصين السعدي من قواد علي بن عبد العزيز الجروي سنة 210ه .
3- وائل : حضروا الفتح , واختلطوا بمصر , وقد نزل الفرس بناحيتهم , وكانوا يرتبعون مع سعا في مرتباتهم . ويبدو انها اشتركت في فتنة خلع مروان بمصر (127 -128 ه) فقد كان أحدأفرادها ( محمود – أو عمرو – بن سليط ) من رؤسائها ووجوهها . كما كان معروف بين سليط , من رواة القرن الثاني منها .
يأخذ من كلام المؤرخين أن لخما فنيت في جذام بحيث أصبحتا شيئاً واحدا يطلق عليه اسم جذام فقط , والواقع اننا نلحظ في مصر الإشتراك التام بين القبيلتين وكن في صورة عكسية تستقل فيها لخم بالكثرة والسيطرة والزعامة مع ملاحظةأن هذا الإشتراك لم يلغ شخصية أي منهما الى الحد الذي تفي عنده في صاحبتها , ويذكر المؤرخون كذلك أن القبيلتين قد كانتا في صف معاوية بما هما من قبائل الشام , وفي مصر لا يستقيم هذا القول على علاته . فقد رأينا أن لخما ظلت علوية الهوى حتى مجيء مروان في الأقل . ثم رأينا القبيلتين كلتيهما تعملان على إسقاط الدولة الأموية وإن كان يبدو أنهما آثرتا الهدوء طوال العهد المرواني ونستطيع الآن بعد معرفتنا لأماكن ارتباع لخم وجذام والمنطقة التي أقام فيها بعضهم اقامة دائمة أن ندرك أنهم كانوا من اهل الحوف , وأنهم هم اليمانية الذين يعنيهم المؤرخون حين يتحدثون عن يمانية أهل الحوف وتحالفهم مع قيس .
انتهى ...
هذا والله أعلم